ذكر امرئ القيس ونسبه وأخباره
  يختلج كشحاك، قال: للبسي الحبرات. قالت: فممّ تختلج فخذاك؟ قال: لركضي المطهّمات. فقالت: هذا زوجي لعمري! فعليكم به، واقتلوا العبد، فقتلوه. ودخل امرؤ القيس بالجارية. فقال ابن هبيرة: حسبكم! فلا خير في الحديث في سائر الليلة بعد حديثك يا أبا عمرو؛ ولن تأتينا بأعجب منه فقمنا وانصرفنا. وأمر لي بجائزة.
  مفاوضات امرئ القيس وقبائل أسد بعد موت حجر:
  نسخت من كتاب جدّي يحيى بن محمد بن ثوابة بخطَّه | حدّثني الحسن بن سعيد عن أبي عبيدة قال أخبرني سيبويه النحويّ أنّ الخليل بن أحمد أخبره قال:
  قدم على امرئ القيس بن حجر بعد مقتل أبيه رجال من قبائل بني أسد كهول وشبّان، فيهم المهاجرين خداش ابن عمّ عبيد بن الأبرص، وقبيصة بن نعيم، وكان في بني أسد مقيما وكان ذا بصيرة بمواقع الأمور وردا وإصدارا(١) يعرف ذلك له من كان محيطا بأكناف بلده من العرب. فلما علم بمكانهم أمر بإنزالهم وتقدّم بإكرامهم والإفضال عليهم، واحتجب عنهم ثلاثا. فسألوا من حضرهم من رجال كندة، / فقال: هو في شغل بإخراج ما في خزائن حجر من السّلاح والعدّة. فقالوا: اللَّهم غفرا، إنما قدمنا في أمر نتناسى به ذكر ما سلف ونستدرك به ما فرط، فليبلَّغ ذلك عنّا. فخرج عليهم في قباء وخفّ وعمامة سوداء؛ وكانت العرب لا تعتمّ بالسّواد إلَّا في التّرات.
  فلمّا نظروا إليه قاموا له، وبدر إليه قبيصة: إنك في المحلّ والقدر والمعرفة بتصرّف الدهر وما تحدثه أيّامه وتتنقّل به أحواله بحيث لا تحتاج إلى تبصير واعظ ولا تذكرة مجرّب. ولك من سؤدد منصبك وشرف أعراقك وكرم أصلك في العرب محتمل يحتمل ما حمل عليه من إقالة العثرة، ورجوع عن هفوة. ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلَّا رجعت إليك فوجدت عندك من فضيلة الرأي وبصيرة الفهم وكرم الصفح في الذي كان من الخطب الجليل الذي عمّت رزيته نزارا واليمن، ولم تخصص كندة بذلك دوننا للشّرف البارع. كان لحجر التاج والعمّة فوق الجبين الكريم وإخاء الحمد وطيب الشّيم. ولو كان يفدى هالك بالأنفس الباقية بعده لما بخلت كرائمنا على مثله ببذل ذلك ولفديناه منه، ولكن مضى به سبيل لا يرجع أولاه على أخراه ولا يلحق أقصاه أدناه. فأحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال: إمّا أن اخترت من بني أسد أشرفها بيتا، وأعلاها في بناء المكرمات صوتا، فقدناه إليك بنسعه(٢) تذهب مع شفرات حسامك / قصدته(٣) فيقول رجل: امتحن بهلك عزيز فلم تستلّ سخيمته إلَّا بتمكينه من الانتقام، أو فداء بما يروح من بني أسد من نعمها فهي ألوف تجاوز الحسبة فكان ذلك فداء رجعت به القضب إلى أجفانها لم يردده تسليط الإحن على البراءاء؛ وإما أن / توادعنا حتى تضع الحوامل فنسدل الأزر ونعقد الخمر فوق الرايات.
  قال: فبكى ساعة ثم رفع رأسه فقال: لقد علمت العرب أن لا كفء لحجر في دم، وإني لن أعتاض به جملا أو ناقة فأكتسب بذلك سبّة الأبد وفتّ العضد. وأمّا النّظرة(٤) فقد أوجبتها الأجنّة في بطون أمّهاتها، ولن أكون لعطبها سببا، وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك، تحمل القلوب حنقا وفوق الأسنّة علقا(٥)
(١) كان ينبغي أن يكون ... بمواقع الأمور إيرادا وإصدارا» أو ... وردا وصدرا».
(٢) النسع: سير مضفور يجعل زماما للبعير وغيره. وفي الحديث: «يجر نسعة في عنقه».
(٣) كذا في ج: والقصدة: العنق. وفي سائر الأصول: «قصيدته» وهو تصغير «قصدة» وقد ورد في الأصول: هكذا: «تذهب مع شفرات حسامك ثنائي قصيدته». ولم نفهم لكلمة «ثنائي» ها هنا معنى.
(٤) النظرة: الإمهال.
(٥) العلق: الدم.