كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الأعشى ونسبه

صفحة 77 - الجزء 9

  أمير المؤمنين. قال: ادخل رحمك اللَّه! فدخلت أتسمّت⁣(⁣١) الصوت حتى وقفت على باب البيت، فإذا حمّاد عريان على فرجه دستجة⁣(⁣٢) شاهسفرم. فقلت: إن أمير المؤمنين يسألك عن أشعر الناس. فقال: نعم! ذلك الأعشى صنّاجها.

  أوصى أبو عمرو بن العلاء الناس بشعره:

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال سمعت أبا عبيدة يقول سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: عليكم بشعر الأعشى، فإني شبّهته بالبازي يصيد ما بين العندليب إلى الكركيّ.

  وضعه جني في المرتبة الثالثة بعد امرئ القيس وطرفة:

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال سمعت أبا عبيدة يقول:

  بلغني أن رجلا من أهل البصرة حجّ - وروى هذا الحديث ابن الكلبيّ عن شعيب بن عبد الرحمن أبي معاوية النحويّ عن رجل من أهل البصرة أنه حجّ - قال فإني لأسير في ليلة إضحيانة⁣(⁣٣) إذ نظرت إلى رجل شابّ راكب على ظليم قد زمّه بخطامه وهو يذهب عليه ويجيء، وهو يرتجز ويقول:

  هل يبلغنّيهم إلى الصّباح ... هقل⁣(⁣٤) كأن رأسه جمّاح

  الجمّاح: أطراف النبت الذي يسمى الحليّ وهو سنبله، إلَّا أنه ليس بخشن⁣(⁣٥) يشبه أذناب الثعالب⁣(⁣٦). قال:

  والجمّاح أيضا سهيم يلعب به الصّبيان يجعلون مكان زجّه طينا - قال: فعلمت أنه ليس بإنسيّ، فاستوحشت منه.

  فتردّد عليّ ذاهبّا وراجعا حتى أنست به؛ فقلت: من أشعر الناس يا هذا؟ قال: الذي يقول:

  وما ذرفت عيناك إلَّا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتّل

  قلت: ومن هو؟ قال: امرؤ القيس. قلت: فمن الثاني؟ قال: الذي يقول:

  تطرد القرّ بحرّ ساخن ... وعكيك⁣(⁣٧) القيظ إن جاء بقرّ

  / قلت: ومن يقوله؟ قال: طرفة. قلت: ومن الثالث؟ قال: الذي يقول:

  وتبرد برد رداء العرو ... س بالصّيف رقرقت⁣(⁣٨) فيه العبيرا

  قلت: ومن يقوله؟ قال: الأعشى، ثم ذهب به.


(١) تسمت الشيء: قصد نحوه.

(٢) كذا في أو «شفاء الغليل». والدستجة: الحزمة والشاهسفرم: نوع من الريحان يقال له الريحان السلطاني.، فارسي معرب. وفي سائر الأصول: «دستجة شاهسفره» وهو تحريف.

(٣) ليلة إضحيانة: مضيئة.

(٤) الهقل: الفتى من النعام.

(٥) في الأصول: «بحسن» وهو تصحيف.

(٦) ذنب الثعلب: نبات على هيئة أذناب الثعالب.

(٧) العكيك: صفة من العك أو العكك وهو شدة الحر في سكون الريح. وورد البيت في «اللسان» وفيه لفظة «صادق» بدل «ساخن».

يصف جارية بأنها تطرد عن ملتزمها شدة برد الشتاء بحرارتها، وتطرد عنه شدة قيظ الصيف بطراوتها.

(٨) رقرق الطيب في الثوب: أجراه فيه.