كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الأعشى ونسبه

صفحة 82 - الجزء 9

  جاءت امرأة إلى الأعشى فقالت: إنّ لي بنات قد كسدن عليّ، فشبّب بواحدة منهنّ لعلها أن تنفق. فشبّب بواحدة منهنّ، فما شعر الأعشى إلا بجزور⁣(⁣١) قد بعث به إليه. فقال: ما هذا؟ فقالوا: زوّجت فلانة. فشبّب بالأخرى فأتاه مثل ذلك، فسأل عنها فقيل: زوّجت. فما زال يشبّب بواحدة فواحدة منهنّ حتى زوّجن جميعا.

  أسره رجل من كلب كان قد هجاه فاستوهبه منه شريح بن السموءل:

  أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدّثنا يحيى بن أبي سعيد الأمويّ عن محمد بن السائب الكلبيّ قال:

  هجا الأعشى رجلا من كلب فقال:

  بنو الشهر الحرام فلست منهم ... ولست من الكرام بني عبيد

  ولا من رهط جبّار بن قرط ... ولا من رهط حارثة بن زيد

  - قال: وهؤلاء كلَّهم من كلب - فقال الكلبيّ: لا أبا لك! أنا أشرف من هؤلاء. قال: فسبّه الناس بعد بهجاء الأعشى إيّاه، وكان متغيّظا عليه. فأغار على قوم قد بات فيهم الأعشى فأسر منهم نفرا وأسر الأعشى وهو لا يعرفه، ثم جاء حتى نزل بشريح بن السموءل بن عادياء الغسّانيّ صاحب تيماء بحصنه الذي يقال له الأبلق. فمرّ شريح بالأعشى؛ فناداه الأعشى:

  /

  شريح لا تتركنّي بعد ما علقت ... حبالك اليوم بعد القدّ أظفاري

  قد جلت ما بين بانقيا⁣(⁣٢) إلى عدن ... وطال في العجم تردادي وتسياري

  فكان أكرمهم عهدا وأوثقهم ... مجدا أبوك بعرف غير إنكار

  كالغيث ما استمطروه جاد وابله ... وفي الشدائد كالمستأسد الضاري

  كن كالسموءل إذ طاف الهمام به ... في جحفل كهزيع اللَّيل جرّار

  إذ سامه خطَّتي خسف فقال له ... قل ما تشاء فإني سامع حار⁣(⁣٣)

  فقال غدر وثكل أنت بينهما ... فاختر وما فيهما حظَّ لمختار

  فشكّ غير طويل ثم قال له ... اقتل أسيرك إنّي مانع جاري

  وسوف يعقبنيه إن ظفرت به ... ربّ كريم وبيض ذات أطهار

  لا سرّهنّ لدينا ذاهب هدرا ... وحافظات إذا استودعن أسراري

  فاختار أدراعه كي لا يسبّ بها ... ولم يكن وعده فيها بختّار

  - قال: وكان امرؤ القيس بن حجر أودع السموءل بن عادياء أدراعا مائة، فأتاه الحارث بن ظالم - ويقال الحارث بن أبي شمر الغسّانيّ - ليأخذها منه، فتحصّن منه السموءل؛ فأخذ الحارث ابنا له غلاما وكان في الصيد، فقال: إمّا أنّ


(١) الجزور يقع على الذكر والأنثى.

(٢) بانقيا: ناحية من نواحي الكوفة.

(٣) حار أي يا حارث.