كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الأعشى ونسبه

صفحة 83 - الجزء 9

  سلَّمت الأدراع إليّ وإمّا أن قتلت ابنك. فأبى السموءل أن يسلم إليه الأدراع؛ فضرب الحارث وسط الغلام بالسيف فقطعه قطعتين، فيقال: إن جريرا حين قال للفرزدق:

  بسيف أبي رغوان⁣(⁣١) سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم

  / إنما عني هذه الضربة. فقال السموءل في ذلك:

  وفيت بذمّة الكنديّ إنّي ... إذا ما ذمّ أقوام وفيت

  / وأوصى عاديا يوما بأن لا ... تهدّم يا سموءل ما بنيت

  بنى لي عاديا حصنا حصينا ... وماء كلَّما شئت استقيت

  قال: فجاء شريح إلى الكلبيّ فقال له: هب لي هذا الأسير المضرور. فقال: هو لك، فأطلقه. وقال: أقم عندي حتى أكرمك وأحبوك. فقال له الأعشى: إنّ من تمام صنيعتك أن تعطيني ناقة نجيبة وتخلَّيني الساعة. قال:

  فأعطاه ناقة فركبها ومضى من ساعته. وبلغ الكلبيّ أنّ الذي وهب لشريح هو الأعشى. فأرسل إلى شريح: ابعث إلى الأسير الذي وهبت لك حتى أحبوه وأعطيه. فقال: قد مضى. فأرسل الكلبيّ في أثره فلم يلحقه.

  مدح عامر بن الطفيل وهجا علقمة بن علاثة:

  حدّثنا ابن علاثة عن محمد العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدّثنا يحيى بن سعيد بن يحيى الأمويّ عن محمد بن السائب قال:

  أتى الأعشى الأسود العنسيّ⁣(⁣٢) وقد امتدحه فاستبطأ جائزته. فقال الأسود: ليس عندنا عين ولكن نعطيك عرضا، فأعطاه خمسمائة مثقال دهنا وبخمسمائة حللا وعنبرا. فلمّا مرّ ببلاد بني عامر خافهم على ما معه، فأتى علقمة⁣(⁣٣) بن علاثة فقال له: أجرني، فقال: قد أجرتك. قال: من الجنّ والإنس؟ قال نعم. قال: ومن الموت؟ قال لا. فأتى عامر بن الطَّفيل فقال: أجرني، قد أجرتك. قال: من الجنّ / والإنس؟ قال نعم. قال: ومن الموت؟ قال نعم. قال: وكيف تجيرني من الموت؟ قال: إن متّ وأنت في جواري بعثت إلى أهلك الدّية. فقال: الآن علمت أنك قد أجرتني من الموت. فمدح عامرا وهجا علقمة. فقال علقمة: لو علمت الذي أراد كنت أعطيته إيّاه.

  قال الكلبيّ: ولم يهج علقمة بشيء أشدّ عليه من قوله:

  تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا

  فرفع علقمة يديه وقال: لعنه اللَّه! إن كان كاذبا! أنحن نفعل هذا بجاراتنا!. وأخبار الأعشى وعلقمة وعامر تأتي مشروحة في خبر منافرتهما إن شاء اللَّه تعالى.


(١) أبو رغوان: لقب مجاشع، وهو مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة.

(٢) هو عبهلة بن كعب بن غوث يلقب ذا الخمار، خرج بعد حجة الوداع في عامّة مذ حج وادّعى النبوّة وكان كاهنا شعباذا (مشعوذا) وكان يريهم الأعاجيب ويسبي قلوب من سمع منطقه، قتله فيروز وداذويه وقيس غيلة. (انظر «تاريخ الطبري» ق ١ ص ١٧٩٥ - ١٧٩٨، ١٨٥٣ - ١٨٧٠).

(٣) هو علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب، أسلم في عهد النبي ثم ارتد بعد فتح الطائف وخرج حتى لحق بالشام ثم أسلم أيام أبي بكر ¥. (الطبري ق ١ ص ١٨٩٩ - ١٩٠٠).