كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الأعشى ونسبه

صفحة 86 - الجزء 9

  فإذا تعاورت الأكفّ ختامها ... نفحت فشمّ رياحها المزكوم

  فقال: يا شعبيّ، ناك الأخطل أمّهات الشعراء بهذا البيت. قلت: الأعشى أشعر منك يا أبا مالك. قال:

  وكيف؟ قلت: لأنه قال:

  من خمر عانة قد أتى لختامها ... حول تسلّ غمامة⁣(⁣١) المزكوم

  فضرب بالكأس الأرض وقال: هو والمسيح أشعر منّي! ناك واللَّه الأعشى أمهات الشعراء إلَّا أنا.

  مدح سلامة ذا فائش فأجازه:

  حدّثني وكيع قال حدّثني محمد بن إسحاق المعوليّ عن إسحاق الموصليّ عن الهيثم بن عديّ عن حمّاد الرواية عن سماك بن حرب قال:

  قال الأعشى:

  أتيت سلامة⁣(⁣٢) ذا فائش فأطلت المقام ببابه حتى وصلت إليه، فأنشدته:

  /

  إنّ محلَّا وإن مرتحلا ... وإنّ في السّفر من مضى مهلا⁣(⁣٣)

  استأثر اللَّه بالوفاء وبال ... عدل وولَّى الملامة الرجلا

  الشعر قلَّدته سلامة ذا ... فائش والشيء حيث ما جعلا

  فقال: صدقت، الشيء حيث ما جعل، وأمر لي بمائة من الإبل وكساني حللا وأعطاني كرشا مدبوغة مملوءة عنبرا وقال: إياك أن تخدع عما فيها. فأتيت الحيرة فبعتها بثلاثمائة ناقة حمراء.

  أراد أن يفد على النبي ليسلم فردته قريش بجائزة فعثر به بعيره فمات:

  أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبيّ وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال قال هشام بن القاسم الغنويّ وكان علَّامة بأمر الأعشى:

  إنه وفد إلى النبيّ وقد مدحه بقصيدته التي أولها:

  ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وعادك ما عاد السّليم المسهّدا⁣(⁣٤)

  وما ذاك من عشق النساء وإنما ... تناسيت قبل اليوم خلَّة مهددا⁣(⁣٥)

  وفيها يقول لناقته:


(١) الغمام: كزكام وزنا ومعنى.

(٢) هو سلامة بن يزيد بن مرة اليحصبي أحد ملوك اليمن، وقد مدحه الأعشى. وقال هشام بن محمد الكلبيّ: الأعشى مدح سلامة الأصغر وهو سلامة بن يزيد بن سلامة ذي فائش. (راجع «القاموس» و «شرحه» مادة فيش).

(٣) رواية تلخيص المفتاح التي كتب عليها شارحوه: «وإن في السفراذ مضوا مهلا». والمحل والمرتحل مصدران ميميان، والخبر محذوف. أي إن لنا في الدنيا حلولا وإن لنا عنها ارتحالا. والسفر: اسم جمع بمعنى مسافر. والمهل (بفتح الميم والهاء): مصدر بمعنى الإمهال وطول الغيبة.

(٤) في «السيرة لابن هشام»: (ج ١ ص ٥٥ طبع أوروبا) «وبت كما بات السليم مسهدا».

(٥) مهدد: معشوقة الأعشى.