أخبار الأعشى ونسبه
  فإذا تعاورت الأكفّ ختامها ... نفحت فشمّ رياحها المزكوم
  فقال: يا شعبيّ، ناك الأخطل أمّهات الشعراء بهذا البيت. قلت: الأعشى أشعر منك يا أبا مالك. قال:
  وكيف؟ قلت: لأنه قال:
  من خمر عانة قد أتى لختامها ... حول تسلّ غمامة(١) المزكوم
  فضرب بالكأس الأرض وقال: هو والمسيح أشعر منّي! ناك واللَّه الأعشى أمهات الشعراء إلَّا أنا.
  مدح سلامة ذا فائش فأجازه:
  حدّثني وكيع قال حدّثني محمد بن إسحاق المعوليّ عن إسحاق الموصليّ عن الهيثم بن عديّ عن حمّاد الرواية عن سماك بن حرب قال:
  قال الأعشى:
  أتيت سلامة(٢) ذا فائش فأطلت المقام ببابه حتى وصلت إليه، فأنشدته:
  /
  إنّ محلَّا وإن مرتحلا ... وإنّ في السّفر من مضى مهلا(٣)
  استأثر اللَّه بالوفاء وبال ... عدل وولَّى الملامة الرجلا
  الشعر قلَّدته سلامة ذا ... فائش والشيء حيث ما جعلا
  فقال: صدقت، الشيء حيث ما جعل، وأمر لي بمائة من الإبل وكساني حللا وأعطاني كرشا مدبوغة مملوءة عنبرا وقال: إياك أن تخدع عما فيها. فأتيت الحيرة فبعتها بثلاثمائة ناقة حمراء.
  أراد أن يفد على النبي ليسلم فردته قريش بجائزة فعثر به بعيره فمات:
  أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبيّ وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال قال هشام بن القاسم الغنويّ وكان علَّامة بأمر الأعشى:
  إنه وفد إلى النبيّ ﷺ وقد مدحه بقصيدته التي أولها:
  ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وعادك ما عاد السّليم المسهّدا(٤)
  وما ذاك من عشق النساء وإنما ... تناسيت قبل اليوم خلَّة مهددا(٥)
  وفيها يقول لناقته:
(١) الغمام: كزكام وزنا ومعنى.
(٢) هو سلامة بن يزيد بن مرة اليحصبي أحد ملوك اليمن، وقد مدحه الأعشى. وقال هشام بن محمد الكلبيّ: الأعشى مدح سلامة الأصغر وهو سلامة بن يزيد بن سلامة ذي فائش. (راجع «القاموس» و «شرحه» مادة فيش).
(٣) رواية تلخيص المفتاح التي كتب عليها شارحوه: «وإن في السفراذ مضوا مهلا». والمحل والمرتحل مصدران ميميان، والخبر محذوف. أي إن لنا في الدنيا حلولا وإن لنا عنها ارتحالا. والسفر: اسم جمع بمعنى مسافر. والمهل (بفتح الميم والهاء): مصدر بمعنى الإمهال وطول الغيبة.
(٤) في «السيرة لابن هشام»: (ج ١ ص ٥٥ طبع أوروبا) «وبت كما بات السليم مسهدا».
(٥) مهدد: معشوقة الأعشى.