أخبار الأعشى ونسبه
  فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من حفا حتى تزور محمدا
  نبيّ يرى ما لا ترون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا
  متى ما تناخي عند باب ابن هاشم ... تراحي وتلقي من فواضله يدا
  فبلغ خبره قريشا فرصدوه على طريقه وقالوا: هذا صنّاجة العرب، ما مدح أحدا قطَّ / إلَّا رفع في قدره: فلما ورد عليهم قالوا له: أين أردت يا أبا بصير؟ قال: / أردت صاحبكم هذا لأسلم، قالوا: إنه ينهاك عن خلال ويحرّمها عليك، وكلَّها بك رافق ولك موافق. قال: وما هنّ؟ فقال أبو سفيان بن حرب: الزّنا: قال: لقد تركني الزّنا ومما تركته؛ ثم ماذا؟ قال: القمار. قال: لعلَّي إن لقيته أن أصيب منه عوضا من القمار؛ ثم ماذا؟ قالوا: الرّبا.
  قال: ما دنت ولا ادّنت؛ ثم ماذا؟ قالوا: الخمر. قال: أوّه! أرجع إلى صبابة قد بقيت لي في المهراس(١) فأشربها.
  فقال له أبو سفيان: هل لك في خير مما هممت به؟ قال: وما هو؟ قال: نحن وهو الآن في هدنة، فتأخذ مائة من الإبل وترجع إلى بلدك سنتك هذه وتنظر ما يصير إليه أمرنا، فإن ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفا، وإن ظهر علينا أتيته. فقال: ما أكره ذلك. فقال أبو سفيان: يا معشر قريش، هذا الأعشى! واللَّه لئن أتى محمدا واتّبعه ليضر منّ عليكم نيران العرب بشعره، فاجمعوا له مائة من الإبل، ففعلوا؛ فأخذها وانطلق إلى بلده. فلما كان بقاع منفوحة(٢) رمى به بعيره فقتله.
  قبره بمنفوحة يتنادم عليه الفتيان:
  أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثنا محمد بن إدريس بن سليمان بن أبي حفصة قال. قبر الأعشى بمنفوحة وأنا رأيته؛ فإذا أراد الفتيان أن يشربوا خرجوا إلى قبره فشربوا عنده وصبّوا عنده فضلات الأقداح.
  أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا عليّ بن سليمان النّوفلي قال حدّثنا أبي قال: أتيت اليمامة واليا عليها، فمررت بمنفوحة وهي منزل الأعشى التي يقول فيها:
  بشطَّ منفوحة فالحاجر
  فقلت: أهذه قرية الأعشى؟ قالوا نعم. فقلت: أين منزله؟ قالوا: ذاك وأشاروا إليه. قلت: فأين قبره؟ قالوا:
  بفناء بيته. فعدلت إليه بالجيش / فانتهيت إلى قبره فإذا هو رطب. فقلت: مالي أراه رطبا؟ فقالوا: إن الفتيان ينادمونه فيجعلون قبره مجلس رجل منهم، فإذا صار إليه القدح صبّوه عليه لقوله: «أرجع إلى اليمامة فأشبع من الأطيبين الزنا والخمر».
  صوت معبد المسمى بالدوامة في شعره:
  وأخبرنا الحسن بن عليّ قال حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثنا الأطروش بن إسحاق بن إبراهيم عن أبيه:
  أنّ ابن عائشة غنّى يوما:
  هريرة ودّعها وإن لام لائم
(١) المهراس: حجر منقور يسع كثيرا من الماء.
(٢) منفوحة: قرية مشهورة من نواحي اليمامة.