ذكر الشماخ ونسبه وخبره
  ففرّجت همّ النفس عنّي بحلفة ... كما شقّت الشّقراء عنها جلالها
  أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال:
  قدم ناس من بهز المدينة يستعدون على الشّماخ وزعموا أنه هجاهم ونفاهم، فجحد ذلك الشماخ. فأمر عثمان كثير بن الصّلت أن يستحلفه على منبر النبيّ ﷺ: ما هجاهم. فانطلق به كثير إلى المسجد ثم انتحاه دون بني بهز - وبهز: اسمه تيم بن سليم بن منصور - فقال له: ويلك يا شمّاخ! إنك لتحلف على منبر رسول اللَّه ﷺ، ومن حلف به آثما يتبوّأ مقعده من النار! قال: فكيف أفعل فداؤك أبي وأمّي؟! قال: إني سوف أحلَّفك ما هجوتهم، فاقلب الكلام عليّ وعلى ناحيتي فقل: واللَّه ما هجوتكم، فأردني وناحيتي بذلك، وإني سأدفع عنك. فلمّا وقف حلف كما قال له وأقبل كثير فقال: ما هجوتكم. فقالت بهز: ما عنى غيركم، فأعد اليمين عليه. فقال: مالي أتأوّله! هل استحلفته إلَّا لكم! وما اليمين إلَّا مرّة واحدة! انصرف يا شمّاخ. فانصرف وهو يقول:
  أتتني سليم قضّها وقضيضها ... تمسّح حولي بالبقيع سبالها
  يقولون لي يا احلف ولست بحالف ... أخادعهم عنها لكيما أنالها
  فلو لا كثير نعّم اللَّه باله ... أزلَّت(١) بأعلى حجّتيك نعالها
  / ففرّجت همّ الموت عنّي بحلفة ... كما شقّت الشّقراء عنها جلالها
  سألته امرأة لا تعرفه عن قصته مع زوجه، وشعره في ذلك:
  ونسخت هذا الخبر على التمام من كتاب يحيى بن حازم قال حدّثني عليّ بن صالح صاحب المصلَّى قال قال القاسم بن معن:
  كان الشماخ تزوّج امرأة من بني سليم فأساء إليها وضربها وكسر يدها. فعرضت امرأة من قومها، يقال لها أسماء ذات يوم للطريق تسأل عن صاحبتها. فاجتاز الشمّاخ وهي لا تعرفه: فقالت له: ما فعل الخبيث شمّاخ؟ فقال لها: وما تريدين منه؟ قالت: إنه فعل بصاحبة لنا كيت وكيت. فتجاهل عليها وقال: لا أعلم له خبرا، ومضى وتركها وهو يقول:
  تعارض أسماء الرّفاق عشيّة ... تسائل عن ضغن النساء النّواكح
  وماذا عليها إن قلوص تمرّغت ... بعدلين أو ألقتهما بالصّحاصح(٢)
  فإنك(٣) لو أنكحت دارت بك الرّحا ... وألقيت رحلي سمحة غير طامح
  أأسماء إنّي قد أتاني مخبّر ... بفيقة(٤) ينبي منطقا غير صالح
(١) أزلت: أزلقت. ومرجع الضمير فيه سليم خصومه.
(٢) كذا في ج: والصحاصح: جمع صحصح وهو الأرض الجرداء المستوية. يريد: ماذا يهمها من امرأة أساءت عشرة زوجها فأدبها.
وفي سائر الأصول: «الصحائح» وهو تحريف.
(٣) كذا في «ديوانه»: يريد: لو تزوجتك دارت بك الرحى أي انقلب أمرك وتغير. وألقيت رحلي أي أنزلتني عندك وأكرمت مثواي.
وسمحة: منقادة. وغير طامح: غير ملتفتة إلى الرجال. وفي الأصول: «فإياك إن أنكحت».
(٤) فيقة الضحى: أولها وارتفاعها.