كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الشماخ ونسبه وخبره

صفحة 112 - الجزء 9

  ففرّجت همّ النفس عنّي بحلفة ... كما شقّت الشّقراء عنها جلالها

  أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال:

  قدم ناس من بهز المدينة يستعدون على الشّماخ وزعموا أنه هجاهم ونفاهم، فجحد ذلك الشماخ. فأمر عثمان كثير بن الصّلت أن يستحلفه على منبر النبيّ : ما هجاهم. فانطلق به كثير إلى المسجد ثم انتحاه دون بني بهز - وبهز: اسمه تيم بن سليم بن منصور - فقال له: ويلك يا شمّاخ! إنك لتحلف على منبر رسول اللَّه ، ومن حلف به آثما يتبوّأ مقعده من النار! قال: فكيف أفعل فداؤك أبي وأمّي؟! قال: إني سوف أحلَّفك ما هجوتهم، فاقلب الكلام عليّ وعلى ناحيتي فقل: واللَّه ما هجوتكم، فأردني وناحيتي بذلك، وإني سأدفع عنك. فلمّا وقف حلف كما قال له وأقبل كثير فقال: ما هجوتكم. فقالت بهز: ما عنى غيركم، فأعد اليمين عليه. فقال: مالي أتأوّله! هل استحلفته إلَّا لكم! وما اليمين إلَّا مرّة واحدة! انصرف يا شمّاخ. فانصرف وهو يقول:

  أتتني سليم قضّها وقضيضها ... تمسّح حولي بالبقيع سبالها

  يقولون لي يا احلف ولست بحالف ... أخادعهم عنها لكيما أنالها

  فلو لا كثير نعّم اللَّه باله ... أزلَّت⁣(⁣١) بأعلى حجّتيك نعالها

  / ففرّجت همّ الموت عنّي بحلفة ... كما شقّت الشّقراء عنها جلالها

  سألته امرأة لا تعرفه عن قصته مع زوجه، وشعره في ذلك:

  ونسخت هذا الخبر على التمام من كتاب يحيى بن حازم قال حدّثني عليّ بن صالح صاحب المصلَّى قال قال القاسم بن معن:

  كان الشماخ تزوّج امرأة من بني سليم فأساء إليها وضربها وكسر يدها. فعرضت امرأة من قومها، يقال لها أسماء ذات يوم للطريق تسأل عن صاحبتها. فاجتاز الشمّاخ وهي لا تعرفه: فقالت له: ما فعل الخبيث شمّاخ؟ فقال لها: وما تريدين منه؟ قالت: إنه فعل بصاحبة لنا كيت وكيت. فتجاهل عليها وقال: لا أعلم له خبرا، ومضى وتركها وهو يقول:

  تعارض أسماء الرّفاق عشيّة ... تسائل عن ضغن النساء النّواكح

  وماذا عليها إن قلوص تمرّغت ... بعدلين أو ألقتهما بالصّحاصح⁣(⁣٢)

  فإنك⁣(⁣٣) لو أنكحت دارت بك الرّحا ... وألقيت رحلي سمحة غير طامح

  أأسماء إنّي قد أتاني مخبّر ... بفيقة⁣(⁣٤) ينبي منطقا غير صالح


(١) أزلت: أزلقت. ومرجع الضمير فيه سليم خصومه.

(٢) كذا في ج: والصحاصح: جمع صحصح وهو الأرض الجرداء المستوية. يريد: ماذا يهمها من امرأة أساءت عشرة زوجها فأدبها.

وفي سائر الأصول: «الصحائح» وهو تحريف.

(٣) كذا في «ديوانه»: يريد: لو تزوجتك دارت بك الرحى أي انقلب أمرك وتغير. وألقيت رحلي أي أنزلتني عندك وأكرمت مثواي.

وسمحة: منقادة. وغير طامح: غير ملتفتة إلى الرجال. وفي الأصول: «فإياك إن أنكحت».

(٤) فيقة الضحى: أولها وارتفاعها.