ذكر الشماخ ونسبه وخبره
  المهلب والشعراء:
  قال الخرّاز: ومثل هذا ما حدّثناه المدئنيّ عن ابن دأب أن رجلا لقي المهلَّب فنحر ناقته في وجهه؛ فتطيّر من ذلك وقال له: ما قصّتك؟ فقال:
  إني نذرت لئن لقيتك سالما ... أن تستمرّ بها شفار الجازر
  فقال المهلَّب: فأطعمونا من كبد هذه المظلومة، ووصله.
  قال المدائنيّ: ولقيته امرأة من الأزد وقد قدم من حرب كان نهض إليها، فقالت: أيها الأمير، إني نذرت إن وافيتك سالما أن أقبّل يدك وأصوم يوما / وتهب لي جارية صغديّة(١) وثلاثمائة درهم. فضحك المهلَّب وقال: قد وفينا لك بنذرك فلا تعاودي مثله، فليس كل أحد يفي لك به.
  المهدي وأبو دلامة:
  وأخبرني الحسن قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثني بعض أصحابنا عن القحذميّ: أن أبا دلامة لقي المهديّ لمّا قدم بغداد، فقال له:
  إني نذرت لئن رأيتك واردا ... أرض العراق وأنت ذو وفر
  لتصلَّينّ على النبيّ محمد ... ولتملأنّ دراهما حجري
  فقال له: أمّا النبيّ فصلَّى اللَّه على النّبيّ محمد وآله وسلَّم، وأمّا الدراهم فلا سبيل إليها. فقال له: أنت أكرم من أن تعطيني أسهلهما عليك وتمنعني الأخرى. فضحك وأمر له بما سأل. وهذا مما ليس يجري في هذا الباب ولكن يذكر الشيء بمثله.
  لطيفة الأعرابي على مائدة عبد الملك بن مروان بسبب بيت له:
  أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثنا مسعود بن عيسى العبديّ قال حدّثني أحمد بن طالب الكناني (كنانة تغلب)، وأخبرني به محمد بن أحمد بن الطَّلَّاس عن الخرّاز عن المدائنيّ لم يتجاوزه به قال:
  نصب عبد الملك بن مروان الموائد يطعم الناس؛ فجلس رجل من أهل العراق على بعض تلك الموائد. فنظر إليه خادم لعبد الملك فأنكره، فقال له: أعراقيّ أنت؟ قال: نعم. قال: أنت جاسوس؟ قال: لا. قال: بلى. قال:
  ويحك! دعني أتهنّأ بزاد أمير المؤمنين ولا تنغّصني به. ثم إن عبد الملك وقف على تلك المائدة فقال من القائل:
  /
  إذا الأرطى(٢) توسّد أبرديه ... خدود جوازئ بالرّمل عين
(١) صغدية: نسبة إلى الصغد وهي كورة قصبتها سمرقند.
(٢) قال البغدادي نقلا عن ابن قتيبة: الأرطى: شجر من أشجار البادية تدبغ به الجلود. وهو مفعول لفعل محذوف أي إذا توسد الأرطى.
وأبرديه بدل اشتمال من الأرطى. ومعنى توسد أبرديه: اتخذهما كالوسادة. والأبردان: الظل والفيء، سميا بذلك لبردهما، وأبردان أيضا: الغداة والعشي. وخدود فاعل توسد. والجوازئ: الظباء وبقر الوحش، سميت جوازئ لأنها اجتزأت بأكل النبت الأخضر عن الماء. قال في «اللسان» في مادة جزأ: الظباء لا تعني في هذا البيت كما ذهب إليه ابن قتيبة؛ لأن الظباء لا تجزأ بالكلأ عن الماء، وإنما عني البقر. ويقوي ذلك أنه قال عين، والعين من صفات البقر لا من صفات الظباء. والعين. الواسعات العيون،