ذكر قيس بن ذريح ونسبه وأخباره
  لا تسألني وسل لبنى. فذهب ليلمّ بخبائها / فيسألها، فمنعه قومها. فأقبلت عليه امرأة من قومه فقالت له: ما لك ويحك تسأل كأنك جاهل أو تتجاهل! هذه لبنى ترتحل الليلة أو غدا. فسقط مغشيا عليه لا يعقل ثم أفاق وهو يقول:
  وإنّي لمفن دمع عيني بالبكا ... حذار الذي قد كان أو هو كائن
  وقالوا غدا أو بعد ذاك بليلة ... فراق حبيب لم يبن وهو بائن
  وما كنت أخشى أن تكون منيّتي ... بكفّيك إلَّا أنّ ما حان حائن
  / في هذه الأبيات غناء ولها أخبار قد ذكرت في أخبار المجنون. قال وقال قيس:
  يقولون لبنى فتنة كنت قبلها ... بخير فلا تندم عليها وطلَّق
  فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي ... وأقررت عين الشامت المتخلَّق(١)
  وددت وبيت اللَّه أنّي عصيتهم ... وحمّلت في رضوانها كلّ موبق(٢)
  وكلَّفت خوض البحر والبحر زاخر ... أبيت على أثباج موج مغرّق
  كأنّي أرى الناس المحبّين بعدها ... عصارة ماء الحنظل المتفلَّق
  فتنكر عيني بعدها كلّ منظر ... ويكره سمعي بعدها كلّ منطق
  قال: وسقط غراب قريبا منه فجعل ينعق مرارا، فتطيّر منه وقال:
  لقد نادى الغراب ببين لبنى ... فطار القلب من حذر الغراب
  وقال غدا تباعد دار لبنى ... وتنأى بعد ودّ واقتراب
  فقلت تعست ويحك من غراب ... وكان الدهر سعيك في تباب
  / وقال أيضا وقد منعه قومه من الإلمام بها:
  صوت
  ألا يا غراب البين ويحك نبّني ... بعلمك في لبنى وأنت خبير
  فإن أنت لم تخبر بما قد علمته ... فلا طرت إلَّا والجناح كسير
  ودرت بأعداء حبيبك فيهم ... كما قد تراني بالحبيب أدور
  غنّى سليمان أخو حجبة رملا بالوسطى.
  قالوا: وقال أيضا وقد أدخلت هودجها ورحلت وهي تبكي ويتبعها:
(١) المتخلق: الذي يتكلف ما ليس في خلقه.
(٢) الموبق: المهلك.