ذكر قيس بن ذريح ونسبه وأخباره
  صوت
  ألا يا غراب البين هل أنت مخبري ... بخير كما خبّرت بالنأي والشرّ
  وقلت كذاك الدهر ما زال فاجعا ... صدقت وهل شيء بباق على الدهر
  غنّى فيهما ابن جامع ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشاميّ. وذكر حبش أنّ لقفا النجّار فيهما ثقيلا أوّل بالوسطى. قالوا:
  فلما ارتحل قومها اتّبعها مليا، ثم علم أن أباها سيمنعه من المسير معها، فوقف ينظر إليهم ويبكي حتى غابوا عن عينه فكرّ راجعا. ونظر إلى أثر خفّ بعيرها فأكبّ عليه يقبّله ورجع يقبّل موضع مجلسها وأثر قدمها. فليم على ذلك وعنّفه قومه على تقبيل التراب؛ فقال:
  وما أحببت أرضكم ولكن ... أقبّل إثر من وطئ التّرابا
  لقد لاقيت من كلفي بلبنى ... بلاء ما أسيغ به الشّرابا
  إذا نادى المنادي باسم لبنى ... عييت فما أطيق له جوابا
  / وقال وقد نظر إلى آثارها:
  صوت
  /
  ألا يا ربع لبنى ما تقول ... أبن لي اليوم ما فعل الحلول
  فلو أن الديار تجيب صبّا ... لردّ جوابي الرّبع المحيل
  ولو أنّي قدرت غداة قالت ... غدرت(١) وماء مقلتها يسيل
  نحرت النفس حين سمعت منها ... مقالتها وذاك لها قليل
  شفيت غليل نفسي من فعالي ... ولم أغبر بلا عقل أجول
  غنّى فيه حسين بن محرز خفيف ثقيل من روايتي بذل وقريض. وتمام هذه الأبيات:
  كأنّي واله بفراق لبنى ... تهيم بفقد واحدها ثكول
  ألا يا قلب ويحك كن جليدا ... فقد رحلت وفات بها الذّميل(٢)
  فإنك لا تطيق رجوع لبنى ... إذا رحلت وإن كثر العويل
  وكم قد عشت كم بالقرب منها ... ولكنّ الفراق هو السبيل
  فصبرا كلّ مؤتلفين يوما ... من الأيام عيشهما يزول
  قال: فلما جنّ عليه الليل وانفرد وأوى إلى مضجعه لم يأخذه القرار وجعل يتململ فيه تململ السليم، ثم وثب حتى أتى موضع خبائها، فجعل يتمرّغ فيه ويبكي ويقول:
(١) كذا في «تجريد الأغاني»: وفي ب، س: «ودرت» وهو تحريف. وقد سقط هذا البيت من سائر الأصول.
(٢) الذميل: السير اللين.