ذكر قيس بن ذريح ونسبه وأخباره
  خرج في فتية إلى بلادها حتى رآها، وشعره في ذلك:
  خرج قيس في فتية من قومه واعتلّ على أبيه بالصيد، فأتى بلاد لبنى، فجعل يتوقّع أن يراها أو يرى من يرسل إليها. فاشتغل الفتيان بالصيد؛ فلما قضوا وطرهم منه رجعوا إليه وهو واقف، فقالوا له: قد عرفنا ما أردت بإخراجنا معك وأنك لم ترد الصيد وأنما أردت لقاء لبنى، وقد تعذّر عليك فانصرف الآن. فقال:
  وما حائمات حمن يوما وليلة ... على الماء يغشين العصيّ حوان
  عوافي(١) لا يصدرن عنه لوجهة ... ولا هنّ من برد الحياض دوان
  يرين حباب الماء والموت دونه ... فهنّ لأصوات السّقاة روان
  بأجهد منّي حرّ شوق ولوعة ... عليك ولكنّ العدوّ عداني
  خليليّ إني ميّت أو مكلَّم ... لبينى بسرّي فامضيا وذراني
  أنل حاجتي وحدي ويا ربّ حاجة ... قضيت على هول وخوف جنان
  فإنّ أحقّ الناس ألا تجاوزا(٢) ... وتطَّرحا من لو يشاء شفاني
  ومن قادني للموت حتى إذا صفت ... مشاربه السمّ الذّعاف سقاني
  / قال: فأقاموا معه حتى لقيها، فقالت له: يا هذا، إنك متعرّض لنفسك وفاضحي. فقال لها:
  صدعت القلب ثم ذررت فيه ... هواك فليم فالتأم الفطور(٣)
  تغلغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور
  أبو السائب المخزومي وشعر قيس:
  وقال القحذميّ حدّثني أبو الوردان قال حدّثني أبي قال: أنشدت أبا السّائب المخزوميّ قول قيس:
  صدعت القلب ثم ذررت فيه ... هواك فليم فالتأم الفطور
  فصاح بجارية له سنديّة تسمّى زبدة، فقال: أي زبدة عجّلي. فقالت: أنا أعجن. فقال: ويحك! تعالي ودعي العجين. فجاءت فقال لي: أنشد بيتي قيس فأعدتهما. فقال لها: يا زبدة، أحسن قيس وإلَّا فأنت حرّة! إرجعي الآن إلى عجينك أدركيه لا يبرد.
  حسرته على فراقها وتأنيبه نفسه:
  قالوا: وجعل قيس يعاتب نفسه في طاعته أباه في طلاقه لبنى ويقول: فألَّا رحلت بها عن بلده فلم أر ما يفعل ولم يرني! فكان إذا فقدني أقلع عمّا يفعله وإذا فقدته لم أتحرّج من فعله! وما كان عليّ لو اعتزلته وأقمت في حيّها أو في بعض بوادي العرب، أو عصيته فلم أطعه! هذه جنايتي على نفسي فلا لوم على أحد! وهأنذا ميّت مما فعلته،
(١) العوافي: جمع عافية وهي التي ترد الماء.
(٢) كذا في ج: وفي سائر الأصول: «فإني أحق الناس ألا تحاورا».
(٣) الفطور: الشقوق.