ذكر قيس بن ذريح ونسبه وأخباره
  أخبّرت أنّي فيك ميّت حسرتي ... فما فاض من عينيك للوجد مدمع
  ولكن لعمري قد بكيتك جاهدا ... وإن كان دائي كلَّه منك أجمع
  صبيحة جاء العائدات يعدنني ... فظلَّت عليّ العائدات تفجّع
  فقائلة جئنا إليه وقد قضى ... وقائلة لا، بل تركناه ينزع
  وروى القحذميّ ها هنا:
  فما غشيت عينيك من ذاك عبرة ... وعيني على ما بي بذكراك تدمع
  / إذا أنت لم تبكي عليّ جنازة(١) ... لديك فلا تبكي غدا حين أرفع
  قال: فبلغتها الأبيات، فجزعت جزعا شديدا وبكت بكاء كثيرا. ثم خرجت إليه ليلا على موعد فاعتذرت وقالت:
  إنما أبقي عليك وأخشى أن تقتل، فأنا أتحاماك لذلك، ولولا هذا لما / افترقنا. وودّعته وانصرفت.
  شعره فيها وقد بلغه أنها كذبت مرضه:
  وقال خالد بن كلثوم: فبلغه أنّ أهلها قالوا لها: إنه عليل لما به وإنه سيموت في سفره هذا. فقالت لهم لتدفعهم عن نفسها: ما أراه إلا كاذبا فيما يدّعي ومتعلَّلا لا عليلا. فبلغه ذلك فقال:
  تكاد بلاد اللَّه يا أمّ معمر ... بما رحبت يوما عليّ تضيق
  تكذّبني بالودّ لبنى وليتها ... تكلَّف منّي مثله فتذوق
  ولو تعلمين الغيب أيقنت أنني ... لكم والهدايا المشعرات صديق
  تتوق إليك النفس ثم أردّها ... حياء ومثلي بالحياء حقيق
  أذود سوام النفس عنك وماله ... على أحد إلا عليك طريق
  فإنّي وإن حاولت صرمي وهجرتي ... عليك من احداث الرّدى لشفيق
  ولم أر أيّاما كأيّامنا التي ... مررن علينا والزمان أنيق
  ووعدك إيّانا، ولو قلت عاجل، ... بعيد كما قد تعلمين سحيق
  وحدّثتني يا قلب أنك صابر ... على البين من لبنى فسوف تذوق
  فمت كمدا أو عش سقيما فإنّما ... تكلَّفني مالا أراك تطيق
  أطعت وشاة لم يكن لك فيهم ... خليل ولا جار عليك شفيق
  فإن تك لمّا تسل عنها فإنّني ... بها مغرم صبّ الفؤاد مشوق
  / بلبنى أنادى عند أوّل غشية ... ويثني بها الدّاعي لها فأفيق
(١) الجنازة (بالكسر ويفتح): الميت. وقيل: الجنازة بالكسر الميت وبالفتح السرير، وقيل عكس ذلك. والمراد هنا المريض المشرف على الموت.