كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر قيس بن ذريح ونسبه وأخباره

صفحة 140 - الجزء 9

  شهدت على نفسي بأنك غادة ... رداح وأنّ الوجه منك عتيق⁣(⁣١)

  وأنك لا تجزينني بصحابة ... ولا أنا للهجران منك مطيق

  وأنك قسّمت الفؤاد فنصفه ... رهين ونصف في الحبال وثيق

  صبوحي إذا ما ذرّت الشمس ذكركم ... ولي ذكركم عند المساء غبوق

  إذا أنا عزّيت الهوى أو تركته ... أتت عبرات بالدموع تسوق

  كأنّ الهوى بين الحيازيم والحشى ... وبين التّراقي واللَّهاة⁣(⁣٢) حريق

  فإن كنت لمّا تعلمي العلم فاسألي ... فبعض لبعض في الفعال فؤوق

  سلي هل قلاني من عشير صحبته ... وهل ملّ رحلي في الرّفاق رفيق

  وهل يجتوي القوم الكرام صحابتي ... إذا اغبرّ مخشيّ الفجاج عميق

  وأكتم أسرار الهوى فأميتها ... إذا باح مزّاح بهنّ بروق⁣(⁣٣)

  سعى الدهر والواشون بيني وبينها ... فقطَّع حبل الوصل وهو وثيق

  هل الصبر إلا أن أصدّ فلا أرى ... بأرضك إلَّا أن يكون طريق

  قصته مع لبنى وزوجها وقد باعه ناقة وهو لا يعرفه:

  قال: ثم أتى قومه فاقتطع قطعة من إبله وأعلم أباه أنه يريد المدينة ليبيعها ويمتار لأهله بثمنها. فعرف أبوه أنه إنما يريد لبنى، فعاتبه وزجره عن ذلك؛ فلم يقبل منه، وأخذ إبله وقدم بها المدينة. فبينا هو يعرضها إذ ساومه زوج لبنى بناقة منها وهما لا يتعارفان، فباعه إيّاها. / فقال له: إذا كان غد فأتني في دار كثير بن الصّلت فاقبض الثمن؛ قال:

  نعم. ومضى زوج لبنى إليها فقال لها: إني ابتعت ناقة من / رجل من أهل البادية وهو يأتينا غدا ليقبض ثمنها، فأعدّي له طعاما، ففعلت. فلما كان من الغد جاء قيس فصوّت بالخادم: قولي لسيّدك: صاحب الناقة بالباب.

  فعرفت لبنى نغمته فلم تقل شيئا. فقال زوجها للخادم: قولي له: ادخل، فدخل فجلس. فقالت لبنى للخادم: قولي له: يا فتى، مالي أراك أشعث أغبر؟ فقالت له ذلك. فتنفّس ثم قال لها: هكذا تكون حال من فارق الأحبّة واختار الموت على الحياة، وبكى. فقالت لها لبنى: قولي له: حدّثنا حديثك. فلما ابتدأ يحدّث به كشفت الحجاب وقالت: حسبك! قد عرفنا حديثك! وأسبلت الحجاب. فبهت ساعة لا يتكلَّم ثم انفجر باكيا ونهض فخرج. فناداه زوجها: ويحك! ما قصّتك؟ ارجع اقبض ثمن ناقتك، وإن شئت زدناك. فلم يكلَّمه وخرج فاغترز⁣(⁣٤) في رحله ومضى. وقالت لبنى لزوجها: ويحك! هذا قيس بن دريح. فما حملك على ما فعلت به؟ قال: ما عرفته. وجعل قيس يبكي في طريقه ويندب نفسه ويوبّخها على فعله ثم قال:


(١) الرداح: الثقيلة الأوراك. والعتيق: الجميل الكريم.

(٢) الحيازيم: جمع حيزوم وهو وسط الصدر. والتراقي: جمع ترقوة وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. واللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم.

(٣) في «الأمالي»: «نزوق».

(٤) أي ركب، والغرز للجمل مثل الركاب للبغل.