كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر قيس بن ذريح ونسبه وأخباره

صفحة 148 - الجزء 9

  كلدة، ألا تقوم بنا فنصلَّي عليه! قال: قلت: بلى واللَّه فديتك!. فقمنا حتى إذا كنّا عند دار أويس إذ ذكرت أن جدّه كان تزوّج لبنى ونزل بها المدينة، فرجعت فطرحت نفسي في السّقيفة وقلت: لا يراني اللَّه أصلَّي عليه. فرجع الكثيريّ فقال: أكنت جنبا؟ قلت: لا واللَّه. قال: فعلى غير وضوء؟ قلت: لا واللَّه. قال: فما لك؟ قلت: ذكرت أن جدّه كان تزوّج لبنى وفرّق بينها وبين قيس بن ذريح لمّا ظعن بها من بلادها، فما كنت لأصلَّي عليه.

  أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن يحيى قال حدّثنا عبد اللَّه بن شبيب قال حدّثني هارون بن موسى الفرويّ قال أخبرنا الخليل بن سعيد قال:

  مررت بسوق الطَّير، فإذا الناس قد اجتمعوا يركب بعضهم بعضا، فاطَّلعت فإذا أبو السائب المخزوميّ قائم على غراب يباع وقد أخذ بطرف ردائه وهو يقول للغراب: يقول لك قيس بن ذريح:

  ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع

  لم لا تقع! ويضربه بردائه والغراب يصيح. قال: فقال قائل له: أصلحك اللَّه يا أبا السائب! ليس هذا ذاك الغراب.

  فقال: قد علمت، ولكن آخذ البريء حتى يقع الجريء⁣(⁣١).

  آلت لبنى ألا ترى غرابا إلَّا قتلته لبيت قاله من قصيدة، وذكر المختار منها:

  وقال الحرمازيّ في خبره: لمّا بلغ لبنى قول قيس:

  ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع

  / آلت ألَّا ترى غرابا إلَّا قتلته؛ فكانت كلَّما رأته أو رأته خادم لها أو جارة ابتيع ممن هو معه وذبحته.

  وهذه القصيدة العينيّة أيضا من جيّد شعر قيس. والمختر منها قوله:

  أتبكي على لبنى وأنت تركتها ... وكنت كآت حتفه وهو طائع

  فيا قلب صبرا واعترافا لما ترى⁣(⁣٢) ... ويا حبّها قع بالذي أنت واقع

  ويا قلب خبّرني إذا شطَّت النّوى ... بلبنى وبانت عنك ما أنت صانع

  أتصبر للبين المشتّ مع الجوى ... أم أنت امرؤ ناسي الحياء⁣(⁣٣) فجازع

  كأنّك بدع⁣(⁣٤) لم تر الناس قبلها ... ولم يطَّلعك الدهر فيمن⁣(⁣٥) يطالع

  ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع

  فليس محبّ دائما لحبيبه ... ولا ثقة إلَّا له الدهر فاجع

  / كأنّ بلاد اللَّه ما لم تكن بها ... وإن كان فيها الناس قفر⁣(⁣٦) بلاقع


(١) في ج: «النطف». والنطف: المريب.

(٢) كذا في «الأمالي» (ج ٢ ص ٣١٥ و «لسان العرب» مادة عرف). واعترف للأمر: صبر. وفي الأصول: «واعترافا بحبها».

(٣) كذا في «تجريد الأغاني» و «الأمالي». وفي الأصول: «الحياة» وهو تحريف.

(٤) البدع: الغمر من الرجال، وهو الذي لم يجرب الأمور.

(٥) كذا في «الأمالي». وفي الأصول: «فيما».

(٦) كذا في «الأمالي»: وفي الأصول: «وحش بلاقع».