كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

غناء الواثق

صفحة 200 - الجزء 9

  فطرب الشيخ وصاح ثم رمى بنفسه بثيابه في الفرات، وجعل يغوص في الفرات ويطفو ويقول: أنا الأرقم! أنا الأرقم! فألقوا أنفسهم خلفه، فبعد لأي ما استخرجوه، وقالوا له: يا شيخ، ما حملك على ما صعنت؟ فقال: إليكم عنّي! فإنّي واللَّه أعرف من معاني الشعر ما لا تعرفون. وقال إسماعيل في خبره / فقلت له: ما أصابك؟ فقال: دبّ شيء من قدمي إلى رأسي كدبيب النمل ونزل في رأسي مثله، فلمّا وردا على قلبي لم أعقل ما عملت.

  وأمّا ما في الخبر من الصّنعة في: «قالت إذا الليل دجا» فإنّ لحن الواثق هو المشهور، وما وجدت في كتب «الأغاني» غيره، بل سمعت محمد بن إبراهيم المعروف بقريض وذكاء وجه الرّزّة يغنّيان فيه لحنا من الثقيل الأوّل المذموم؛ فسألتهما عن صانعه فلم يعرفاه، وذكرا جميعا أنّهما أخذاه / عن أحمد بن أبي العلاء.

  علمه بالغناء وعدد أصواته وذكر المشهور منها:

  وأخبرني الصولي عن أحمد بن محمد بن إسحاق عن حمّاد بن إسحاق قال:

  كان الواثق أعلم الخلفاء بالغناء، وبلغت صنعته مائة صوت، وكان أحذق من غنّى بضرب العود. قال: ثم ذكرها فعدّ منها:

  يفرح الناس بالسّماع وأبكي ... أنا حزنا إذا سمعت السّماعا

  ولها في الفؤاد صدع مقيم ... مثل صدع الزّجاج أعيا الصّناعا

  الشعر للعبّاس بن الأحنف. والغناء للواثق خفيف ثقيل. وفيه لأبي دلف خفيف رمل.

  ومنها:

  ألا أيّها النفس التي كادها الهوى ... أفأنت إذا رمت السّلوّ غريمي

  أفيقي فقد أفنيت صبري أو اصبري ... لما قد لقيتيه عليّ ودومي

  الشعر والغناء للواثق خفيف رمل.

  ومنها:

  سقى العلم الفرد الذي في ظلاله ... غزالان مكحولان مؤتلفان

  أرغتهما ختلا فلم أستطعهما ... ورميا ففاتاني وقد قتلاني

  / الغناء للواثق ثقيل أوّل. وفيه لإسحاق رمل وهو من غريب صنعته، يقال إنه صنعته بالرّقّة.

  ومنها:

  كلّ يوم قطيعة وعتاب ... ينقضي دهرنا ونحن غضاب

  ليت شعري أنا خصصت بهذا ... دون ذا الخلق أم كذا الأحباب

  فاصبر النفس لا تكونن جزوعا ... إنما الحبّ حسرة وعذاب

  فيه للواثق رمل، ولزرزور ثقيل أوّل، ولعريب هزج.

  ومنها:

  ولم أر ليلى بعد موقف ساعة ... بخيف منى ترمي جمار المحصّب