ذكر أخبار الفرزدق في هذا الشعر خاصة دون غيره
  وحدراء هذه هي التي ذكرها الفرزدق في أشعاره. ومن ذلك قوله:
  صوت
  عزفت بأعشاش(١) وما كدت تعزف ... وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف
  ولجّ بك الهجران حتى كأنّما ... ترى الموت في البيت الذي كنت تألف(٢)
  عروضه من الطويل. عزفت عن الشيء انصرفت عنه، عزف يعزف عزوفا. الشعر للفرزدق. والغناء لسلسل، ثاني ثقيل بالوسطى. وفيه لحن للغريض من الثّقيل الأوّل بالبنصر من رواية حبش.
  قصة ما كان بينه وبين ابن أبي بكر بن حزم حين أنشده من شعر حسان في المسجد:
  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش ومحمد بن العباس اليزيديّ قالا حدّثنا أبو سعيد السّكَّريّ قال حدّثنا محمد بن حبيب وأبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة قال قال اليربوعيّ:
  قال إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقّاص الزّهريّ: قدم الفرزدق المدينة في إمارة أبان بن عثمان. قال:
  فإني والفرزدق وكثيّرا لجلوس في المسجد نتناشد الأشعار، إذ طلع علينا غلام شخت(٣) آدم في ثوبين ممصّرين (أي مصبوغين بصفرة غير شديدة) ثم قصد نحونا حتى جاء إلينا فلم يسلَّم، فقال: أيّكم الفرزدق؟ فقلت مخافة أن يكون من قريش: أهكذا تقول لسيّد العرب وشاعرها! فقال: لو كان كذلك لم أقل هذا له. فقال له الفرزدق: ومن أنت لا أمّ لك؟! قال: رجل من بني الأنصار ثم من بني النّجّار ثم أنا ابن أبي بكر بن حزم. بلغني أنك تزعم أنك أشعر العرب وتزعم مضر ذلك لك، وقد قال صاحبنا حسّان شعرا فأردت أن أعرضه عليك وأؤجّلك سنة؛ فإن قلت مثله فأنت أشعر العرب وإلا فأنت كذّاب منتحل.
  ثم أنشده قول حسّان:
  لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
  متى ما تزرنا من معدّ عصابة ... وغسّان نمنع حوضنا أن يهدّما
  - قيل إن قوله: «وغسان» هاهنا قسم أقسم به، لأن غسّان لم تكن تغزوهم مع معدّ -
  أبى فعلنا المعروف أن ننطق الخنا ... وقائلنا بالعرف إلَّا تكلَّما
  ولدنا بني العنقاء وابني محرّق ... فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
  / فأنشده القصيدة إلى آخرها وقال له: إني قد أجّلتك فيها حولا، ثم انصرف. وانصرف الفرزدق مغضبا يسحب رداءه ما يدري أيّ طريق يسلك، حتى خرج من المسجد. قال: فأقبل كثيّر عليّ فقال: قاتل اللَّه الأنصاريّ! ما أفصح لهجته، وأوضح حجّته، وأجود شعره!. قال: فلم نزل في حديث الفرزدق والأنصاريّ بقيّة يومنا. حتى إذا كان الغد خرجت من منزلي إلى مجلسي الذي كنت فيه بالأمس؛ وأتاني كثيّر فجلس معي. فإنّا لنتذاكر الفرزدق ونقول: ليت
(١) أعشاش: موضع في بلاد بني تميم لبني يربوع بن حنظلة.
(٢) في «النقائض»: «الذي كنت تيلف» وهي لغة تميم.
(٣) الشخت: الدقيق الضامر أصلا لا هزالا.