ذكر أخبار الفرزدق في هذا الشعر خاصة دون غيره
  شعري ما فعل، إذ طلع علينا في حلَّة أفواف(١) يمانية موشّاة، له غديرتان، حتى / جلس في مجلسه بالأمس، ثم قال: ما فعل الأنصاريّ؟ قال: فنلنا منه وشتمناه. فقال: قاتله اللَّه! ما رميت بمثله ولا سمعت بمثل شعره! فارقتكما فأتيت منزلي فأقبلت أصعّد وأصوّب في كلّ فنّ من الشعر، فلكأنّي مفحم أو لم أقل قطَّ شعرا حتى نادى المنادي بالفجر، فرحلت ناقتي ثم أخذت بزمامها فقدتها حتى أتيت ذبابا(٢)، ثم ناديت بأعلى صوتي: أخاكم أبا لبنى - وقال سعدان(٣): أبا ليلى! - فجاش صدري كما يجيش المرجل، ثم عقلت ناقتي وتوسّدت ذراعها؛ فما قمت حتى قلت مائة وثلاثة عشر بيتا. فبينا هو ينشدنا، إذ طلع علينا الأنصاريّ حتى انتهى إلينا فسلَّم ثم قال: أما إني لم آتك لأعجلك عن الأجل الذي وقّتّه لك، ولكنّي أحببت ألَّا أراك إلا سألتك عما صنعت. فقال: اجلس، ثم أنشده:
  عزفت بأعشاش وما كدت تعزف
  فلمّا فرغ الفرزدق من إنشاده قام الأنصاريّ كئيبا. فلمّا توارى طلع أبوه وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في مشيخة من الأنصار، فسلَّموا علينا وقالوا: / يا أبا فراس، قد عرفت حللنا ومكاننا من رسول اللَّه ﷺ ووصيّته بنا.
  وقد بلغنا أنّ سفيها من سفهائنا تعرّض لك، فنسألك باللَّه لمّا حفظت فينا وصيّة النبيّ ﷺ ووهبتنا له ولم تفضحنا.
  قال إبراهيم بن محمد: فأقبلت أكلَّمه أنا وكثيّر؛ فلما أكثرنا عليه قال: اذهبوا فقد وهبتكم لهذا القرشيّ.
  قال: وقد كان جرير قال:
  ألا أيّها القلب الطَّروب المكلَّف ... أفق ربّما ينأى هواك ويسعف
  ظللت وقد خبّرت أن لست جازعا ... لربع بسلمانين(٤) عينك تذرف
  فجعل الفرزدق هذه القصيدة نقيضة لها.
  نسبة ما في الخبر من الأصوات
  منها:
  صوت
  لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نحدة دما
  ولدنا بنى العنقاء وابنى محرّق ... فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
  عروضه من الطويل. الشعر لحسّان بن ثابت. والغناء لمعبد خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو بن بانة.
  ما كان بين النابغة وحسان بسوق عكاظ حين مدح النابغة الخنساء:
  أخبرني عمّي الحسن بن محمد قال حدّثني محمد بن سعد الكرانيّ عن أبي عبد الرحمن الثّقفي، وأخبرني
(١) الأفواف: جمع فوف (بالضم) وهو القطن.
(٢) ذباب (رواه الحزامي بكسر أوله والعمراني بضمه): جبل بالمدينة.
(٣) لم يتقدم في سند هذا الخبر شخص بهذا الاسم.
(٤) سلمانان (بضم أوّله وتكرير النون): اسم موضع، تضاف إليه البرقة المعروفة ببرقة سلمانين. (راجع «معجم البلدان» في سلمانين و «برقة سلمانين»).