كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أخبار الفرزدق في هذا الشعر خاصة دون غيره

صفحة 232 - الجزء 9

  أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة، وأخبرنا إبراهيم بن أيّوب الصائغ عن ابن قتيبة:

  / أن نابغة بني ذبيان كان تضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء؛ فدخل إليه حسّان بن ثابت وعنده الأعشى وقد أنشده شعره وأنشدته الخنساء قولها:

  قذى بعينك أم بالعين عوّار

  حتى انتهت إلى قولها:

  وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنه علم في رأسه ثار

  وإنّ صخرا لمولانا وسيّدنا ... وإن صخرا إذا نشتو لنحّار

  فقال: لولا أن أبا بصير أنشدني قبلك لقلت: إنك أشعر الناس! أنت واللَّه أشعر من كل ذات / مثانة⁣(⁣١). قالت: واللَّه ومن كلّ ذي خصيتين. فقال حسّان: أنا واللَّه أشعر منك ومنها. قال: حيث تقول ماذا؟ قال: حيث أقول:

  لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

  ولدنا بني العنقاء وابني محرّق ... فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما

  فقال: إنك لشاعر لولا أنك قلَّلت عدد جفانك وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك. وفي رواية أخرى: فقال له: إنك قلت «الجفنات» فقلَّلت العدد ولو قلت «الجفان» لكان أكثر. وقلت «يلمعن في الضّحى» ولو قلت «يبرقن بالدّجى». لكان أبلغ في المديح لأن الضيف بالليل أكثر طروقا. وقلت «يقطرن من نجدة دما» فدللت على قلة القتل ولو قلت «يجرين» لكان أكثر لانصباب الدّم. وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك. فقام حسّان منكسرا منقطعا.

  مما يغنّي فيه من قصيدة الفرزدق الفائية قوله:

  صوت

  ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا

  فيه رمل بالوسطى، يقال: إنه لابن سريج، وذكر الهشاميّ أنه من منحول يحيى المكَّيّ.

  انتحل بيتا لجميل:

  أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني أبو مسلمة موهوب بن رشيد الكلابيّ قال:

  وقف الفرزدق على جميل والناس مجتمعون عليه وهو ينشد:

  ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا

  فأشرع إليه رأسه من وراء الناس وقال: أنا أحقّ بهذا البيت منك. قال: أنشدك اللَّه يا أبا فراس!. فمضى الفرزدق وانتحله.


(١) المثانة: المراد بها هنا موضع الولد من الأنثى.