ذكر أخبار الفرزدق في هذا الشعر خاصة دون غيره
  عرّض هو وكثير كل منهما للآخر أنه سرق بيتا من جميل:
  أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير قال حدّثني أبي عن جدّي:
  أن الفرزدق لقي كثيّرا فقال له: ما أشعرك يا كثيّر في قولك:
  أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
  فعرّض له بسرقته إيّاه من جميل:
  أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثّل لي ليلى على كلّ مرقب
  فقال له كثيّر: أنت يا فرزدق أشعر منّي في قولك:
  ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا
  - قال: وهذا البيت لجميل سرقه الفرزدق - فقال الفرزدق لكثيّر: هل كانت أمّك ترد البصرة؟ قال: لا! ولكن أبي كان نزيلا لأمّك.
  أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد اللَّه بن عوف قال: لقي الفرزدق كثيّرا بقارعة البلاط وأنا وهو نمشي؛ فقال له الفرزدق: يا أبا صخر! أنت أنسب العرب حيث تقول:
  /
  أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
  قال: وأنت يا أبا فراس أفخر العرب حيث تقول:
  /
  ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا
  - قال عبد العزيز: وهذان البيتان جميعا لجميل، سرق أحدهما الفرزدق، وسرق الآخر كثيّر - فقال له الفرزدق: يا أبا صخر، هل كانت أمّك ترد البصرة؟ قال: لا! ولكن أبي كان كثيرا يردها. قال طلحة: فوالذي نفسي بيده لقد تعجّبت من كثيّر وجوابه، وما رأيت أحدا قطَّ أحمق منه؛ لقد دخلت عليه يوما في نفر من قريش، وكنّا كثيرا نهزأ به، وكان يتشيّع تشيّعا قبيحا، فقلنا له: كيف تجدك يا أبا صخر؟ فقال: بخير. هل سمعتم الناس يقولون شيئا؟
  قلت: نعم! يتحدّثون أنك الدجّال. قال: واللَّه إن قلت ذلك إنّي لأجد في عيني هذه ضعفا منذ أيام!.
  ولجرير قصيدة يناقض بها هذه القصيدة في أوّلها غناء نسبته:
  ألا أيّها القلب الطَّروب المكلَّف ... أفق ربّما ينأى هواك ويسعف
  ظللت وقد خبّرت أن لست جازعا ... لربع بسلمانين عينك تذرف
  الشعر لجرير. والغناء لمحمد بن الأشعث الكوفيّ ثاني ثقيل بالبنصر، عن عمرو بن بانة. وقال حبش: فيه ثقيل أوّل بالوسطى. وليس ذلك بصحيح.