كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار دريد بن الصمة ونسبه

صفحة 251 - الجزء 10

  أغارت بنو عامر بن صعصعة وبنو جشم بن معاوية على أسد وغطفان، وكان دريد بن الصّمّة وعمرو بن سفيان بن ذي اللَّحية متساندين⁣(⁣١)، فدريد على بني جشم بن معاوية، وعمرو بن سفيان على بني عامر. فقال عبد اللَّه بن الصّمّة / لأخيه: إنّي غير معطيك الرّياسة، ولكنّ لي في هذا اليوم شأنا. ثم اشترك عبد اللَّه وشراحيل بن سفيان، فلما أغار القوم أخذ عبد اللَّه من نعم بني أسد ستّين وأصاب القوم ما شاؤوا. وأدرك رجل من بني جذيمة عبد اللَّه بن الصّمّة فقال له عبد اللَّه بن الصّمّة: ارجع فإني كنت شاركت شراحيل بن سفيان، فإن استطاع دريد فليأته وليأخذ مالي منه. وأقام دريد في أواخر الحيّ فقال له عمرو: ارتحل بالناس قبل أن يأتيك الصّراخ⁣(⁣٢)، فقال: إني أنتظر أخي عبد اللَّه. حتى إذا أطال عليه قال له: إن أخاك قد أدرك فوارس من الحليفيّين يسوقون بظعنهم فقتلوه. فانطلقوا حتى إذا كانوا بحيث يفترقون قال دريد لشراحيل⁣(⁣٣): إن عبد اللَّه أنبأني ولم يكذبني قطَّ أن له شركة مع شراحيل فأدّوا إلينا شركته. فقالوا له: ما شاركناه قطَّ. فقال دريد: ما أنا بتارككم حتى أستحلفكم عند ذي الخلصة (وثن من أوثانهم). فأجابوه إلى ذلك وحلفوا، ثم جاء عبد اللَّه بغنيمة عظيمة فجاؤه ينشدونه الشّرك. فقال لهم دريد: ألم أحلَّفكم حين ظننتم أن عبد اللَّه قد قتل. فقالوا: ما حلفنا وجعلوا يناشدون عبد اللَّه أن يعطيهم، فقال: لا، حتى يرضى دريد، فأبى أن يرضى فتوعّدوه أن يسرقوا إبله. فقال دريد في ذلك:

  /

  هل مثل قلبك في الأهواء معذور ... والحبّ بعد مشيب المرء مغرور

  وذكر الأبيات التي تقدّمت في الخبر قبل هذا وزاد فيها:

  إذا غلبتم صديقا تبطشون به ... كما تهدّم في الماء الجماهير⁣(⁣٤)

  وأنتم معشر في عرقكم شنج⁣(⁣٥) ... بزخ الظهور وفي الأستاه تأخير

  قد علم القوم أنّي من سراتهم ... إذا تقبّض في البطن المذاكير

  وقد أروع سوام القوم ضاحية ... بالجرد يركضها الشّعث المغاوير⁣(⁣٦)

  يحملن كلّ هجان⁣(⁣٧) صارم ذكر⁣(⁣٨) ... وتحتهم شزّب⁣(⁣٩) قبّ مضامير

  أو عدتمو إبلي كلَّا سمينعها ... بنو غزيّة لا ميل ولا صور⁣(⁣١٠)


(١) التساند: التعاضد.

(٢) الصراخ: صوت الاستغاثة.

(٣) بالتأمل في سياق هذه القصة يلاحظ أن هذه الكلمة زائدة.

(٤) الجماهير: الرمال الكثيرة المتراكمة.

(٥) العرق: الأصل. والشنج: التقبض والتقلص، والبزخ: تقاعس الظهر عن البطن، وقيل هو خروج الصد ودخول الظهر يريد أنهم مشوهو الأجسام غير أهل للرياسة.

(٦) الجرد: جمع أجرد وهو الفرس القصير الشعر. والشعث جمع أشعث وهو المغبر الرأس المتلبد الشعر. والمغاوير جمع مغوار وهو المقاتل الكثير الغارات.

(٧) الهجان: الكريم.

(٨) كذا في «ح». وفي «سائر الأصول»: «كرم».

(٩) الشزب: جمع شازب، وهو الضامر اليابس، والقب: جمع أقب وهو من الخيل الدقيق الخصر الضامر البطن.

(١٠) الصور: جمع أصور وهو المائل وفي ح، أ، م «ولا عور».