أخبار دريد بن الصمة ونسبه
  فسليهم عنّي خناس إذا ... عضّ الجميع الخطب ما خطبي
  - قالوا: وتماضر اسمها. والخنساء لقب غلب عليها - فلما أصبح غدا على أبيها(١) فخطبها إليه. فقال له أبوها: مرحبا بك أبا قرّة! إنك للكريم لا يطعن في حسبه، والسيّد لا يردّ عن حاجته، والفحل لا يقرع أنفه. - وقال أبو عبيدة خاصّة مكان «لا يطعن في حسبه» «لا يطعن في عيبه»(٢) - ولكن لهذه المرأة في نفسها ما ليس لغيرها، وأنا ذاكرك لها / وهي فاعلة. ثم دخل إليها وقال لها: يا خنساء، أتاك فارس هوازن وسيّد بني جشم دريد بن الصّمّة يخطبك وهو من تعلمين، ودريد يسمع قولهما. فقالت: يا أبت، أتراني تاركة بني عمّي مثل عوالي الرّماح وناكحة شيخ بني جشم هامة(٣) اليوم أو غد!. فخرج إليه أبوها فقال: يا أبا قرّة قد امتنعت، ولعلَّها أن تجيب فيما بعد.
  فقال: قد سمعت قولكما، وانصرف. هذه رواية من ذكرت. وقال ابن الكلبيّ: قالت لأبيها: أنظرني حتى أشاور نفسي، ثم بعثت خلف دريد وليدة فقالت لها: انظري دريدا إذا بال، فإن وجدت بوله قد خرق الأرض ففيه بقيّة، وإن وجدته قد ساح على وجهها فلا فضل فيه. فاتّبعته وليدتها ثم عادت إليها فقالت: وجدت بوله قد ساح على وجه الأرض، فأمسكت. وعاود دريد أباها فعاودها فقالت له هذه المقالة المذكورة؛ ثم أنشأت تقول:
  أتخطبني، هبلت، على دريد ... وقد أطردت(٤) سيّد آل بدر!
  معاذ اللَّه ينكحني حبركى(٥) ... يقال أبوه من جشم بن بكر
  / ولو أمسيت في جشم هديّا(٦) ... لقد أمسيت في دنس وفقر
  فغضب دريد من قولها وقال يهجوها:
  وقاك اللَّه يابنة آل عمرو ... من الفتيان أمثالي ونفسي
  فلا تلدي ولا ينكحك مثلي ... إذا ما ليلة طرقت بنحس
  / لقد علم المراضع في جمادى ... إذا استعجلن عن حزّ(٧) بنهس
  بأنّي لا أبيت بغير لحم ... وأبدأ بالأرامل حين أمسي
  وأنّى لا ينال الحيّ ضيفي(٨) ... ولا جاري يبيت خبيث نفس
  إذا عقب القدور تكنّ مالا(٩) ... تحتّ حلائل الأبرام عرسي
(١) في «الأمالي» ج ٢ ص ١٦١ طبع دار الكتب المصرية أنه خطبها إلى أخيها معاوية.
(٢) كذا في الأصول. ولعلها: «في غيبة» بالغين المعجمة.
(٣) يقال: فلان هامة اليوم أو غد؛ إذا شاخ وأشرف على الموت.
(٤) أطردت: أمرت بطرده.
(٥) الحبركى: الغليظ الطويل الظهر القصير الرجلين، والأنثى منه حبركاة. وقد ورد هذا البيت في «اللسان» هكذا:
ولست بمرضع ثديي حبركي ... قصير الشبر من جشم بن بكر
(٦) الهدي: العروس.
(٧) الحز: القطع. والنهس: تعرّق ما على العظم وانتزاعه بمقدم الأسنان.
(٨) رواية «الأمالي»:
وأني لا يهر الضيف كلبي
أي لا ينبح في وجهه لأنسه به.
(٩) كذا في «ح». وفي «سائر الأصول»: «تكن ملأى» وهو تحريف. ورواية هذا الشطر في «الأمالي» و «اللسان» (في مادة برم): «إذا