أخبار دريد بن الصمة ونسبه
  لا نهض في مثل زماني الأوّل ... محنّب الساق شديد(١) الأعصل
  ضخم الكراديس(٢) خميص الأشكل(٣) ... ذي(٤) حنجر رحب وصلب أعدل
  خرج في حرب حنين وهو شيخ ونصح مالك بن عوف فخالفه:
  حدّثنا محمد بن جرير الطَّبري قال حدّثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن الزّهريّ عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه قال:
  لمّا فتح رسول اللَّه ﷺ مكة أقام بها خمس عشرة ليلة يقصر(٥)، وكان فتحها في عشر ليال بقين من شهر رمضان. قال ابن إسحاق: وحدّثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: لمّا سمعت به هوازن جمعها مالك بن عوف النّصريّ، فاجتمعت إليه ثقيف مع هوازن، ولم يجتمع إليه من قيس إلَّا هوازن وناس قليل من بني هلال، وغابت عنها كعب وكلاب، فجمعت نصر وجشم وسعد وبنو بكر وثقيف واحتشدت، وفي بني جشم دريد بن الصّمّة شيخ كبير فان ليس فيه شيء إلا التيمّن برأيه ومعرفته بالحرب، وكان شيخا مجرّبا، وفي ثقيف في الأحلاف قارب بن الأسود بن مسعود، وفي بني مالك ذو الخمار سبيع / بن الحارث، وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف. فلمّا أجمع مالك المسير حطَّ مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم. فلمّا نزلوا بأوطاس(٦) اجتمع إليه الناس وفيهم دريد بن الصّمّة في شجار(٧) له يقاد به. فقال لهم دريد: بأيّ واد أنتم؟ قالوا:
  بأوطاس. قال: نعم مجال الخيل، ليس بالحزن الضّرس(٨) ولا السّهل الدّهس(٩). مالي أسمع رغاء الإبل ونهيق الحمير وبكاء الصغير وثغاء الشاء؟! قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم. فقال: أين مالك؟ فدعي له به. فقال له: يا مالك، إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإنّ هذا اليوم كائن له ما بعده من الأيام!. مالي أسمع رغاء البعير ونهيق الحمير وبكاء الصّبيان وثغاء الشاء؟! قال: سقت مع الناس نساءهم وأبناءهم وأموالهم. قال: / ولم؟ قال: أردت أن أجعل مع كلّ رجل أهله وماله ليقاتل عنهم. قال: فانقضّ به ووبخّه ولامه، ثم قال: راعي ضأن واللَّه (أي أحمق)! وهل يردّ المنهزم شيء! إنها إن كانت لك لم ينفعك إلَّا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك. ثم قال: ما فعلت كعب وكلاب؟ قال: لم يشهدها أحد منهم. قال: غاب الحدّ والجدّ! لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب! ولوددت أنكم
(١) التحنيب: أحديداب في وظيفي يدي الفرس، وهو مما يوصف صاحبه بالشدّة. والأعصل: المعوج الصلب من كل شيء، ومنه ناب أعصل أي معوج شديد؛ قال أوس بن حجر:
رأيت لها نابا من الشر أعصلا
وفي الأصول: «أعضل» بالضاد وهو تصحيف.
(٢) الكراديس: جمع كردوس وهو كل عظم تام ضخم.
(٣) ليس في «كتب اللغة» إلا الشاكلة بمعنى الخاصرة وهي المرادة في هذا الشعر.
(٤) كذا في «جميع الأصول»: المراد به ليس واضحا.
(٥) قصر الصلاة: أن يترك من ذوات الأربع ركعتين ويصلي ركعتين.
(٦) أوطاس: واد بديار هوازن.
(٧) الشجار: مركب أصغر من الهودج.
(٨) الضرس: الصعب.
(٩) الدهس: اللين السهل.