أخبار دريد بن الصمة ونسبه
  فعلتم مثل ما فعلوا. فمن شهدها منهم؟ قالوا: بنو عمرو بن عامر وبنو عوف بن عامر. قال: ذانك الجذعان(١) من عامر لا ينفعان ولا يضرّان. ثم قال: يا مالك إنك لم تصنع بتقديم البيضة(٢) بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا. ارفعهم إلى أعلى(٣) بلادهم وعلياء قومهم ثم الق القوم بالرجال على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك كنت قد أحرزت أهلك ومالك ولم تفضح في حريمك. قال: لا واللَّه ما أفعل ذلك أبدا! إنك قد خرفت وخرف رأيك وعلمك. واللَّه لتطيعنّني يا معشر هوازن أو لأتكئنّ على هذا السيف حتى يخرج من وراء ظهري - فنفس على دريد أن يكون له في ذلك اليوم ذكر ورأي - فقالوا له: أطعناك وخالفنا دريدا. فقال دريد: هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه. ثم قال:
  يا ليتني فيها جذع ... أخبّ فيها وأضع
  أقود وطفاء الزّمع ... كأنّها شاة صدع
  قال: فلما لقيهم رسول اللَّه ﷺ انهزم المشركون فأتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم بأوطاس وتوجّه بعضهم نحو نخلة(٤)، وتبعت خيل / رسول اللَّه ﷺ من سلك نخلة، فأدرك ربيعة بن رفيع السّلميّ أحد بني يربوع بن سمّال(٥) بن عوف دريد بن الصّمّة فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه(٦) امرأة، وذلك أنه كان في شجار له، فأناخ به فإذا هو برجل شيخ كبير ولم يعرفه الغلام. فقال له دريد: ماذا تريد؟ قال:
  أقتلك. قال: ومن أنت؟ قال: أنا ربيعة بن رفيع السّلميّ. فأنشأ دريد يقول:
  ويح ابن أكمة(٧) ماذا يريد ... من المرعش الذّاهب الأدرد
  فأقسم لو أنّ بي قوّة ... لولَّت فرائصه ترعد
  ويا لهف نفسي ألَّا تكون ... معي قوّة الشارخ(٨) الأمرد
  / ثم ضربه السّلميّ بسيفه فلم يغن شيئا. فقال له: بئس ما سلَّحتك أمّك! خذ سيفي هذا من مؤخّر رحلي في القراب فاضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدّماغ، فإنّي كذلك كنت أفعل بالرجال، ثم إذا أتيت أمّك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصّمّة، فربّ يوم قد منعت فيه نساءك!. فزعمت بنو سليم أن ربيعة قال: لمّا ضربته بالسيف سقط فانكشف، فإذا عجانه(٩) وبطن فخذيه مثل القراطيس من ركوب الخيل أعراء(١٠). فلمّا رجع ربيعة
(١) الجذع: الشاب الحدث.
(٢) بيضة القوم: أصلهم ومجتمعهم.
(٣) في السيرة: «متمنع بلادهم».
(٤) نخلة: المراد هنا نخلة اليمانية، وهي واد يصب فيه يدعان (اسم واد) وبه مسجد لرسول اللَّه ﷺ، وبه عسكرت هوازن يوم حنين («معجم البلدان» لياقوت).
(٥) في الأصول: «سماك» والتصويب من «السيرة لابن هشام» و «القاموس».
(٦) كذا في السيرة. وفي الأصول: «أنها».
(٧) كذا في الأصول. وفي «مختصر الأغاني»: «تكمة». وقد جاء في «سيرة ابن هشام» (ج ٢ ص ٨٥٢) أن ربيعة بن رفيع هذا يقال له ابن الدغنة وهي أمه فغلبت على اسمه، ويقال: ابن لذعة.
(٨) كذا في «مختصر الأغاني». وفي سائر الأصول: «الشامخ» والشارخ: الشاب.
(٩) العجان: الدبر، وقيل هو ما بين الدبر والقبل.
(١٠) فرس عري: غير مسرج، وصف بالمصدر، ثم جعل اسما فجمع فقيل خيل أعراء. ولا يقال فرس عريان كما لا يقال رجل عري.