كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مروان بن أبي حفصة ونسبه

صفحة 300 - الجزء 10

  أنشدنا مروان بن أبي حفصة يوما شعر زهير ثم قال: زهير واللَّه أشعر الناس، ثم أنشد للأعشى فقال:

  الأعشى أشعر الناس، ثم أنشد شعرا لامرئ القيس فقال: امرؤ القيس أشعر الناس، ثم قال: والناس واللَّه أشعر الناس. أي إن أشعر الناس من أنشدت له فوجدته قد أجاد، حتى ينتقل إلى شعر غيره.

  اشترى من أعرابي شعرا مدح به مروان بن محمد فمدح هو به معن بن زائدة فأكرمه:

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ قال حدّثني أبي قال:

  إجتاز مروان بن أبي حفصة برجل من باهلة من أهل اليمامة وهو ينشد قوما كان جالسا إليهم شعرا مدح به مروان بن محمد، وإن قتل قبل أن يلقاه وينشده إيّاه، أوّله:

  مروان يا بن محمد أنت الذي ... زيدت به شرفا بنو مروان

  فأعجبته القصيدة، فأمهل الباهليّ حتى قام من مجلسه، ثم أتاه في منزله فقال له: إني سمعت قصيدتك وأعجبتني، ومروان قد مضى ومضى أهله وفاتك ما قد رمته⁣(⁣١) عنده؛ أتبيعني القصيدة حتى أنتحلها، فإنه خير لك من أن تبقى عليك وأنت فقير؟ قال نعم. قال: بكم؟ قال: بثلاثمائة درهم. قال: قد ابتعتها؛ فأعطاه الدراهم وحلَّفه بالطلاق / ثلاثا وبالأيمان المحرجة ألَّا ينتحلها أبدا ولا ينسبها إلى نفسه ولا ينشدها، وانصرف بها إلى منزله، فغيّر منها أبياتا وزاد فيها، وجعلها في معن، وقال في ذلك البيت:

  معن بن زائدة الذي زيدت به ... شرفا إلى شرف بنو شيبان

  ووفد بها إلى معن بن زائدة فملأ يديه، وأقام عنده مدة حتى أثرى واتّسعت حاله. فكان معن أوّل من رفع ذكره ونوّه به. قال: وله فيه مدائح بعد ذلك شريفة ومراث حسنة.

  نقل قصة فرار معن أن عبدا أسود طلقه تكرما بعد ما عرفه:

  أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبيّ قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن نعيم البلخيّ أبو يونس قال حدّثني مروان بن أبي حفصة وكان لي صديقا قال:

  كان المنصور قد طلب معن بن زائدة طلبا شديدا، وجعل فيه مالا؛ فحدّثني معن بن زائدة باليمن أنه اضطرّ لشدّة / الطلب إلى أن أقام في الشمس حتى لوّحت وجهه، وخفّف عارضيه ولحيته، ولبس جبّة صوف غليظة، وركب جملا من الجمال النّقّالة ليمضي إلى البادية فيقيم بها، وكان قد أبلى في حرب⁣(⁣٢) يزيد بن عمر بن هبيرة بلاء حسنا غاظ المنصور وجدّ في طلبه. قال معن: فلما خرجت من باب حرب⁣(⁣٣) تبعني أسود متقلَّدا سيفا، حتى إذا غبت عن الحرس قبض علي خطام جملي فأناخه وقبض عليّ؛ فقلت له: مالك؟ قال: أنت طلبة أمير المؤمنين. قلت: ومن أنا حتى يطلبني أمير المؤمنين! قال: معن بن زائدة. فقلت: يا هذا اتّق اللَّه! وأين أنا من معن! قال: دع هذا عنك فأنا واللَّه أعرف به منك. فقلت له: فإن كانت القصّة كما تقول / فهذا جوهر حملته معي


(١) في ج: «ما قدرته».

(٢) هو يزيد بن عمر بن هبير. أبو خالد أحد رجالات بني أمية وفرسانهم وولاتهم، أبلى مع مروان بن محمد في الدعوة العباسية، قتله أبو جعفر المنصور سنة ١٣٢ هـ (انظر الكلام عليه في الطبري ق ٢ ص ١٣٦٣، ١٣٧٢، ١٩١٣ - ١٩١٦، ق ٣ ص ٦١ - ٧٣).

(٣) موضع ببغداد ينسب إلى حرب بن عبد اللَّه البلخي ويعرف بالراوندي أحد قوّاد أبي جعفر المنصور. (انظر «معجم البلدان» لياقوت في الكلام على الحربية).