أخبار مروان بن أبي حفصة ونسبه
  فمنعت حوزته وكنت وقاءه ... من وقع كلّ مهنّد وسنان
  فاستحيا المنصور وقال: إنما أعطيته ما أعطيته لهذا القول؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين! واللَّه لولا مخافة النّقمة(١) عندك لأمكنته من مفاتيح بيوت الأموال وأبحته إيّاها، فقال له المنصور: للَّه درّك من أعرابيّ! ما أهون عليك ما يعزّ على الرجال وأهل الحزم!
  مدح المهدي فرده لمدحه معنا ثم مدحه العام المقبل فأجازه مائة ألف درهم:
  أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثني عبد اللَّه بن محمد بن موسى قال أخبرني محمد بن موسى بن حمزة قال أخبرني الفضل بن الرّبيع قال:
  رأيت مروان بن أبي حفصة وقد دخل على المهديّ بعد وفاة معن بن زائدة في جماعة من الشعراء فيهم سلم الخاسر وغيره، فأنشده مديحا فيه، فقال له: ومن أنت؟ قال: شاعرك يا أمير المؤمنين وعبدك مروان بن أبي حفصة. فقال له المهديّ: ألست القائل:
  أقمنا باليمامة بعد معن ... مقاما لا نريد به زوالا
  وقلنا أين نرحل بعد معن ... وقد ذهب النّوال فلا نوالا
  قد ذهب النّوال فيما زعمت، فلم جئت تطلب نوالنا؟ لا شيء لك عندنا، جرّوا برجله؛ فجرّوا برجله حتى أخرج. قال: فلما كان من العام المقبل تلطَّف حتى دخل مع الشعراء - وإنما كانت الشعراء تدخل على الخلفاء في كلّ عام مرّة - فمثل بين يديه وأنشده بعد رابع أو بعد خامس من الشعراء:
  طرقتك زائرة فحيّ خيالها ... بيضاء تخلط بالجمال(٢) دلالها
  قادت فؤادك فآستقاد ومثلها ... قاد القلوب إلى الصّبا فأمالها
  قال: فأنصت الناس لها حتى بلغ إلى قوله:
  هل تطمسون من السماء نجومها ... بأكفّكم أو تسترون هلالها
  أو تجحدون مقالة عن ربّكم ... جبريل بلَّغها النّبيّ فقالها
  شهدت من الأنفال آخر آية(٣) ... بتراثهم فأردتم إبطالها
  / قال: فرأيت المهديّ قد زحف من صدر مصلَّاه حتى صار على البساط إعجابا بما سمع، ثم قال: كم هي؟ قال: مائة بيت. فأمر له بمائة ألف درهم. فكانت أوّل مائة ألف درهم أعطيها شاعر في أيام بني العبّاس.
  مدح الرشيد فرده لمدحه معنا ثم مدحه بعد أيام فأجازه لكل بيت ألفا:
  قال: ومضت الأيام وولي هارون الرشيد الخلافة، فدخل إليه مروان؛ فرأيته واقفا مع الشعراء ثم أنشده قصيدة امتدحه بها. فقال له: من أنت؟ قال: شاعرك وعبدك يا أمير المؤمنين مروان بن أبي حفصة. قال له:
(١) في ج «الشنعة».
(٢) في ج في هذا الموضع: «بالحياء».
(٣) يريد قوله تعالى: {والَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وهاجَرُوا وجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ أللهِ إِنَّ أللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.