كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

بعض أخبار إبراهيم بن المهدي

صفحة 338 - الجزء 10

  لزينب طيف تعتريني طوارقه

  / فأشار إليها إبراهيم أن تعيده. فقالت متيّم للمعتصم: يا سيّدي إن إبراهيم يستعيدني الصوت وأظنّه يريد أن يأخذه. فقال لها: لا تعيديه. فلما كان بعد أيام كان إبراهيم حاضرا بمجلس المعتصم وكانت متيّم غائبة عنه، فانصرف إبراهيم بالليل إلى منزله ومتيّم في منزلها بالميدان وطريقه عليها وهي في منظرة لها مشرفة على الطريق وهي تطرح هذا الصوت على بعض جواري بني هاشم، فتقدّم إلى المنظرة على دابّته وتطاول حتى أخذ الصوت، ثم ضرب باب المنظرة بمقرعته وقال: قد أخذناه بلا حمدك.

  نسبة هذا الصوت

  لزينب طيف تعتريني طوارقه ... هدوءا إذا النّجم ارجحنّت⁣(⁣١) لواحقه

  سيبكيك مرنان⁣(⁣٢) العشيّ يجيبه ... لطيف بنان الكفّ درم⁣(⁣٣) مرافقه

  إذا ما بساط اللَّهو مدّ وقرّبت ... للذّاته أنماطه ونمارقه⁣(⁣٤)

  الشعر للنّميريّ. والغناء لمعبد، ولحنه من القدر الأوسط من الثّقيل الأول بالبنصر في مجراها عن إسحاق.

  وفيه لمالك خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن يونس والهشاميّ.

  برهان محمد بن موسى المنجم على أنه أحسن الناس غناء:

  أخبرني عليّ بن هارون قال حدّثني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن طاهر قال:

  كان محمد بن موسى المنجّم يقول: حكمت أنّ إبراهيم بن المهديّ أحسن الناس كلَّهم غناء ببرهان، وذلك أنّي كنت أراه بمجالس الخلفاء مثل المأمون والمعتصم يغني المغنون ويغنّي، فإذا ابتدأ الصوت لم يبق من الغلمان والمتصرّفين في الخدمة وأصحاب الصناعات والمهن الصّغار والكبار أحد إلَّا ترك ما في يده وقرب من أقرب موضع يمكنه أن يسمعه، فلا يزال مصغيا إليه لاهيا عمّا كان فيه ما دام يغنّي، حتى إذا أمسك وتغنّى غيره رجعوا إلى التّشاغل بما كانوا فيه ولم يلتفتوا إلى ما يسمعون. / ولا برهان أقوى من هذا في مثل هذا من شهادة الفطن له واتّفاق الطَّبائع - مع اختلافها وتشعّب طرقها - على الميل إليه والانقياد له.

  كانت له أشياء لم يكن لأحد مثلها:

  حدّثني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني هبة اللَّه بن إبراهيم بن المهديّ قال:

  قلت للمعتصم: كانت لأبي أشياء لم يكن لأحد / مثلها. فقال: وما هي؟ قلت: شارية وزامرتها معمعة.

  فقال: أمّا شارية فعندنا، فما فعلت الزّامرة؟ قلت: ماتت. قال: وماذا؟ قلت: وساقيته مكنونة، ولم ير أحسن وجها ولا ألين ولا أظرف منها. قال: فما فعلت؟ قلت: ماتت. قال: وماذا؟ قلت: نخلة كانت تحمل رطبا طول الرّطبة


(١) ارجحن النجم: مال نحو المغرب.

(٢) المرنان: الكثير الرنين، ويقال: سحابة مرنان وقوس مرنان، أي كثيرة الرنين. والمراد هنا: آلة الطرب.

(٣) درم: جمع أدرم وهو من لا حجم لعظامه.

(٤) نسب هذا البيت في «الكامل» للمبرد ص ٧٠٨ طبع أوروبا لنصيب.