كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

بعض أخبار إبراهيم بن المهدي

صفحة 339 - الجزء 10

  منها شبر. قال: فما فعلت؟ قلت: جمّرتها⁣(⁣١) بعد وفاته. قال: وماذا؟ قلت: قدحه الضّخضاح. قال: وما فعل؟

  قلت: الساعة واللَّه حجمني فيه أبو حرملة فسألته أن يهبه لي ففعل، ووجّهت به إلى منزلي فغسل ونظَّف وأعيد إلى خزانتي، فرأيت أبي فيما يرى النائم في ليلتي تلك وهو يقول لي:

  أيترع ضخضاحي دما بعد ما غدت ... عليّ به مكنونة مترعا خمرا

  فإن كنت منّي أو تحبّ مسرّتي ... فلا تغفلن قبل الصّباح له كسرا

  فانتبهت فزعا وما فرق⁣(⁣٢) الصبح حتى كسرته.

  كتب إليه إسحاق الموصلي فأجابه:

  فأمّا المماظَّة⁣(⁣٣) التي كانت بينه وبين إسحاق فقد مضى في خبر إسحاق منها طرف. ونذكر ها هنا منها ما جرى مجرى محاسن إبراهيم والقيام بحجّته إن كانت له، وعذره⁣(⁣٤) فيما عيب عليه لأنه بذلك حقيق. فمن ذلك نسخت من كتاب أعطانيه أبو الفضل العبّاس بن أحمد بن ثوابة | بخطَّ إسحاق في قرطاس - وأنا أعرف خطَّه - وجواب لإبراهيم بن المهديّ في ظهره بخطَّ ضعيف وأظنّه خطَّه؛ لأنه لو كان خطَّ / كاتب⁣(⁣٥) لكان أجود من ذلك الخطَّ، وقد ذهب أوّل الكتاب فذهب منه أوّل الابتداء والجواب، ونسخت بقيّته؛ فكان ما وجدته من ابتداء إسحاق:

  وكنت - جعلت فداءك - كتبت في كتابك إلى محمد بن واضح تذكر أنك مولاي وسيدي⁣(⁣٦). فمتى دفعت ذلك! وهل لي فخر غيره! أو لأحد عليّ وعلى أبي | من قبلي نعمة سواكم!. وأحبّ⁣(⁣٧) ذلك أن يكون، وأرجو أن أموت قبل أن يبتليني اللَّه بذلك إن شاء اللَّه. فأمّا ذكرك - جعلت فداءك - الصناعة فقد أجلّ اللَّه قدرك عن الحاجة إلى دفعها والاعتذار عنها. وأمّا أنا المسكين فأنت تعلم أني لم أتّخذ ما نحن فيه صناعة قطَّ، وأني لم أردها إلَّا لكم شكرا لنعمتكم وحبّا للقرب منكم وإليكم. فليس ينبغي أن يعيبني ذلك عندكم، ولا يجوز لأحد أن يعيبني به إذ كان لكم. وقد علمت أنك لم تضعني من علَّويه ومخارق بحيث وضعتني إلَّا لغضب أحوجك إلى ذلك، وإلَّا فأنت تعلم أنهما لو كانا مملوكين لي لآثرت تعجيل الرّاحة منهما بعتقهما أو تخلية سبيلهما على ثمن أصيبه ببيعهما أو حمد أكتسبه بثمنهما، فكيف أظنّ أني عندك مثلهما، أو أنك تقرنني⁣(⁣٨) إليهما وتذكرني معهما!. أو تلومني الآن على أن أخرس فلا أنطق بحرف، وأن أفرّ من الغناء فرارك من الخطأ فيه، وأمتعض منه امتعاضك ممن يخفي عليك شيئا من علومه!. كيف ترى - جعلت فداءك - الآن سبابي وأنت ترى أنّ أحدا لا


(١) جمر النخلة: قطع جمارها.

(٢) فرق الصبح: تبين واتضح.

(٣) المماظة: المخاصمة والمنازعة.

(٤) في الأصول: «وعذر» من غيرهاء الضمير.

(٥) كذا في ب، س. وفي سائر النسخ: «كتابه».

(٦) كذا في أ، م. وفي سائر النسخ: «مولى وسيد».

(٧) كذا في الأصول ولعل صوابه: «ولا أحب ذلك أن يكون إلخ».

(٨) في الأصول: «تقربني» وهو تحريف.