بعض أخبار إبراهيم بن المهدي
  يحسن(١) السّبّ غيرك!. قد أحدثت لي - جعلت فداءك - أدبا وزدتني بصيرة فيما أحبّ من تركه وترك الكلام فيه. فإن ظننت أنّ هذا فرار من الحجّة وتعريد(٢) عن المناظرة، كما قلت، فقد ظفرت وصرت إلى ما أحببت؛ وإلَّا فإنه لا ينبغي للحرّ أن يتلهّى بما لا تقوم لذّته بمعرّته، / ولا لعاقل أن يبذل ما عنده لمن لا يحمده، ولعلَّه لا يقلَّب العين فيه حتى يلحقه ما يكره منه. وأمّا ما قاله أبي | من أنه لم يزل يتمنّى أن يرى من / سادته من يعرف قدره حقّ معرفته ويبلغ علمه بهذه الصناعة الغاية العظمى حتى رآك، فقد صدق، ما زال يتمنّى ذلك وما زلت أتمنّاه. فهل رأيت - جعلت فداءك - حظَّي(٣) منه إلَّا بأن ساويت به(٤) من لم يكن يساوي شسعه، ولعلك لا ترضى في بعض القوم حتى تفضّله عليه، لا تنفعه عندك معرفة به، ولا رعاية لطول الصّحبة والخدمة، ولا حفظ لآثار محمودة باقية نذكرها ونحتجّ بها. ثم ها أنا من بعده تضعني بالموضع الذي تضعني به، وتنسبني إلى ما تنسبني إليه؛ لأني توخّيت الصواب واجتهدت في البذل والمناصحة، لا يدفعك عنّي حفظ لسلف، ولا صيانة لخلف، ولا استدامة لقديم ما نعلم، ولا مصانعة لما تطلب، ولا ولاء مما أكره أن أقوله(٥). فما أرى - جعلت فداءك - من معرفتك بما في أيدينا إلَّا تجرّع الحسرات، وتطلَّبك لنا العثرات، واللَّه المستعان. كيف أصنع جعلت فداءك! إن سكتّ لم تقبل ذلك مني، وإن صدقت كذّبتني، وإن كذبت ظفرت بي، وإن مزحت لأطربك وأضحكك وأقرب من أنسك وآخذ بنصيبي من كرمك غضبت وسببت، ولو كنت قريبا منك لضربت! وليتك فعلت، فكان ذلك أيسر من غضبك. ثم من أعظم المصائب عندي أمرك إيّاي أن أسأل محمد بن واضح عن قول قلته فيّ عند عمرو بن بانة. فو اللَّه - جعلت فداءك - إني لأبشع(٦) بذكره فكيف أحبّ أن أذكره وأذكر له!. وإني لأرثي لك من النّظر إليه، وأعجب من صبرك عليه، مع أني - أعوذ باللَّه من ذلك - لو رغبت في هذا منه ومن مثله لكفيتك ونفسي ذلك بأن أكسوه ثوبين، أو أهب له دينارين، أو أقول له أحسنت في صوتين، حتى نبلغ أكثر مما أردت لي أو أريده لنفسي. فالحمد للَّه الذي جعل / حظَّي منك هذا! ومثله غير مستصغر لشأنك ولا مستقلّ لقليل حسن رأيك. واللَّه أسأل أن يطيل بقاءك، ويحسن جزاءك، ويجعلني فداءك. قد طال الكتاب، وكثر العتاب. وجملة ما عندي(٧) من الإعظام والإجلال اللَّذين لا أخاف أن اجعلهما عندك، والمحبة التي لا أمتنع منها ولا أعرف سواها، والسمع والطاعة في تسليم ما تحب تسليمه والإقرار بما أحببت أن أقرّ به، وسأشهد على ذلك محمد بن واضح وأشهد لك به من أحببت وأؤدّي الخراج. ولكن لا بدّ من فائدة وإلَّا انكسر، فهات - جعلت فداءك - وأوف واستوف فإنك واجد صحة واستقامة إن شاء اللَّه. مدّ اللَّه في عمرك، وصبّرني عليك، وقدّمني قبلك، وجعلني من كل سوء فداءك.
(١) كذا في الأصول.
(٢) التعريد: الفرار.
(٣) لعله: «حظه».
(٤) كذا في ج. وفي سائر الأصول «فيه» وهو تحريف.
(٥) كذا في الأصول.
(٦) بشع بالأمر: ضاق به ذرعا.
(٧) كذا في الأصول ولعلها: «وجملة ما عندي الإعظام والإجلال اللذان إلخ».