بعض أخبار إبراهيم بن المهدي
  نسخة جواب إبراهيم بعد ما ذهب منه
  ... وأيّة سلامة أقدر لك عليها إلَّا أسوقها إليك، أعطاني اللَّه ما أحبّ من ذلك لك. فأمّا أن أتكلَّم من ورائك بشيء تستثقله متعمّدا؛ فما أنا إذا بحرّ ولا كريم، معاذ اللَّه من ذلك!. ولئن جمعني وإيّاك وعليّ بن هشام مجلس لأستشهدنّه على أشياء لم أذكرها لك، ولم أكتب بها إليك، إجلالا لقدر حالك عندي من اعتداد بمثل ذلك مني، وأنت عنه غافل، واللَّه به عليم. وأما الرشوة(١) فأرجو أن تجيئك على ما تشتهي آتاك اللَّه ما تحب فيما تحب وتكره وجعلك له شاكرا. وأمّا الفوائد التي وعدت ورودها علينا فإنّي لواثق أنك لا تفيدني شيئا فأنظر فيه إلَّا وجدتني فيه فطنا أجيد تفتيشه وأعرف كنهه وأفيدك فيه وفيما استنبطت منه ما لا تجد عند نفسك / أكثر منه، فأما غيرك فالهباء المنثور. ويا رأس المشنّعين(٢) تقول إني عيّرتك بالصّناعة ثم تحتج بحذقك في تحريف الأقوال واكتساب الحجج، لتفحم خصمك، وتعلي حجّتك، / فكيف أعيبك بحاجتي إليك، وما أنا داخل فيه معك! لا! ولكني قلت لك: إني لست كفلان وفلان ممن لو كان عنده أمر ينازعك به ثقل عليك، إنما أنا رجل من مواليك متوسّل إليك بما يسرّك، أو كصاحب لك تناظره بما تحب أن تجد من تناظره فيه، فليكن ذلك بالإنصاف وطلب الصواب أصبته أو أخطأته، لا بالحميّة والأنفة والحيلة لتردّ الحقّ بالباطل. هذا معنى قولي؛ وقد استشهدت عليك فيه أبا جعفر، وجاءني كتابك وهو عندي يشهد لي. والكتاب الذي هذا فيه بخطَّي عنده(٣) لم يردّه عليّ، فتتبّع ما فيه وخذني به. فلعمري لئن كنت قرنتك بمن ذكرت لأعيبك بالتشبيه لك بهم ما عبت غير رأيي، ولا جهّلت غير نفسي. ولست أعتذر من هذا لأنك تشهد لي بالحقّ فيه، وإنما تريد أن تخصمني(٤) بلا حجّة، فيكفيني علمك بما عندي، وإلَّا فأنت إذا بي أجهل منّي بك. وقلت: «تذكرني معهما(٥)» فقد ذكر اللَّه النار مع الجنة، وموسى مع فرعون، وإبليس مع آدم، فلم يهن بذلك موسى ولا آدم ولا أكرم فرعون وإبليس، فأعفني من المغالطة لي والتحريف لقولي، واستمتع بي وأمتعني بالمصادقة. فإن أنت لم تفعل بقيت واحدا مستوحشا، ولم تجد غيري إن علم ما تعلم لم ينقصك، وإن علم أكثر منك لم يشنك، وإن أفهمته كافاك، وإن استفهمته شفاك. لا واللَّه ما أردت إلا ما ذكرته لك، ولا أحسبك ظننت فيّ غير ذلك؛ لأنك لا تجهلني فأنا عندك غير جاهل. وواحدة هي لك دوني، وو اللَّه ما كنت أبالي ألَّا أسمع من مخارق وعلَّويه شيئا حتى أسمع بنعيهما، ولا أراهما حتى أراهما ميّتين، وما في هذا غيرك والإعظام لك والإكرام. وذلك أنهما كانا لك غلامين فصيّرتهما ندّين تقول فيهما ويقولان فيك، وإنّما هما صنيعتاك وخرّيجا / تأديبك وإن كانا غير طائل. فلو أعرضت عن انتقاصهما ورفعت ما رفع اللَّه من قدرك عن الإفراط في عيبهما، لكان ذلك أشبه بك وأجمل بمحلَّك وخطرك ومكانك. وكذلك الذي ترثي له منه وصاحبه محمد بن الحارث، فو اللَّه ما أحبّ لك في أدبك وفضلك ودينك ومحلَّك أن تشهّر نفسك لهما بهذا ومثله، وأن ينتهي إليهما ذلك عنك. أقول يعلم اللَّه في ذلك لا لهما(٦). وإنّ
(١) لعل إبراهيم يشير بهذا ونحوه إلى أشياء خاصة جرت بينه وبين إسحاق.
(٢) كذا في ج وفي سائر الأصول: «المغنين».
(٣) في ب، س: «عندك لم تردّه عليّ».
(٤) خصمه يخصمه (بكسر الصاد في المضارع): غلبه في الخصومة. وكسر عين الفعل في المضارع هنا شاذ في هذا الباب.
(٥) يريد مخارقا وعلويه، كما سيأتي في السياق.
(٦) كذا في الأصول. ولعل صواب العبارة: «أقول - يعلم اللَّه - ذلك لك لا لهما».