بعض أخبار إبراهيم بن المهدي
  ذلك، لو صرت إليه، لأجمل بك وأجلّ لقدرك وإن كنت لتتخوّلهما به. ولو أردت ذلك، وإن زهدت فيه، لم تضع نفسك ومحلَّك مع غلمان أحداث يبسطون ألسنتهم فيك بما بسطته منهم على نفسك، ولو لم تفعل لكنت أعظم في عيونهم من بعض مواليهم الذين تولَّوا منّتهم. هذا رأيي لك بما هو أكبر لأمرك وأشبه بمحلَّك. وو اللَّه ما غششتك ولا أوطأتك عشواء، فاختر لنفسك ما رأيت. ولا واللَّه لا سمعا بهذا أبدا ولا بما قلته فيّ إلا خزيا حتى يموتا، ولا أردت - يشهد اللَّه - بهذا غيرك. وأمّا من ذكرت أنّي أسوّيه بأبي إسحاق | وهو لا يساوي شسعه فإنك عنيت ابن جامع. وأنت لا تدخل بيني وبين أبي إسحاق ¥، ولا أظنك واللَّه أشدّ حبّا له مني، ولا كان لك أشدّ حبّا منه لي، فقد تعلم كيف كان لي، ولكن لا أظلم ابن جامع كما تظلمه أنت / يا أظلم البشر. ولئن ضمنت أن تنصفني لأكلمنّك فيه بما لا تدفعه، ولكنّي لا أكلَّمك في شيء حتى أثق بهذه منك، وإلَّا وسعني من السكوت ما وسعك. ومن العجب الذي لم أر مثله والمكابرة التي لا يشبهها شيء اعتداؤك عليّ في التجزئة حيث(١) تقول:
  حيّيا أمّ يعمرا ... قبل شحط من النّوى
  / يا أخي وحبيب نفسي فانظركم في هذا من العيوب! قولك: «ييا» ليكون مثل «شحط» في الوزن، أيكون مثل هذا في الكلام! في الجزء الثاني «حيّ» حتى يكون مثل «قبل»، هل يكون مثل هذا! أوليس في «ييا» المشدّدة أربع ياءات، وفي «حي» التي عطفت بها ثلاث فتصير سبع ياءات، وإنّما هي ثلاث في الأصل: الياء المشدّدة وياء الاثنين حيث(٢) تقول «حييا»!. والناس في هذا بيني وبينك بهائم، فمن أستعدي عليك! ولو أنصفت لعلمت أنّه لا يمكن في:
  حيّيا أمّ يعمرا
  غير ما جزّأت أنا إلَّا بهذا الغلط الذي لا يحول من تحريك ساكن تجعله أوّل الكلام فقد زدت قبله حرفا، أو تسكين متحرّك فتريد بعده حرفا؛ كقولك «أم يعمرا قابل شحطن» حيث جعلت قبل الباء ألفا، وكقولك «أم يعمرن قبلا» فزدت الألف لتسكت عليها لأن السكوت على متحرّك لا يمكن. فأيّة حجّة هذه! أو من يصبر لك على هذا! وإنما أردت أنا ما يجوز فجئني بتجزئة واحدة، لا أريد غير ذلك منك. مالك يا أخي تنفس عليّ الصواب فيما لا نقيصة عليك فيه ولا عيب، ثم اتخذت تحمّدي إليك، بما قلت لك أن تسأل محمدا عن(٣) قولي فيك بظهر الغيب. ذنبا بطبعك على الظلم والتحريف، حتى كأني أعلمتك أن أحدا تنقّصك فحميت لذلك، ولم يكن غير الردّ عليه. واللَّه ما مثلي يمنّ بهذا، ولكنّي كنت إذا تحدّثت مع محمد خاليا كلَّمته بمثل ما أكلَّمك به من الردّ والجدل، فلما كان عندنا من يحتشم كان كلامي بما يجب(٤) أن أتكلَّم به من الإكرام والتقديم، فقال لي: أيّ شيء هذا الذي أرى؟ فقلت له: هذا كلام الحشمة وذلك كلام الأنس. فأردت بإعلامك هذا أن تعلم أنّي لا أريد بما أنازعك فيه شيئا يزيغ عما تعرف مني، وأني أذكرك / بما يشبهك في موضعه. فلو اتّقيت اللَّه وأبقيت على الإخاء لما كنت تحرّف هذا بشيء، وهو جميل أرضاه من نفسي، فتصيّره قبيحا تريد أن أعتذر إليك منه.
  وأما أداء الخراج والإشهاد، فهذا شيء لم أطلبه منك، إنما أنت طلبته منّي ظالما لي. وذلك لأني لم أنازعك إلَّا منازعة مناظر يحبّ أن يعرف حسن فحصه وثاقب نظره.
(١) في ج، ب، س: «حتى».
(٢) في ج، ب، س: «حتى».
(٣) في الأصول: «من».
(٤) في الأصول: «يحب».