كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار علية بنت المهدي ونسبها ونتف من أحاديثها

صفحة 358 - الجزء 10

  صوت

  سقيا لأرض إذا ما نمت نبّهني ... بعد الهدوّ بها قرع النّواقيس

  كأنّ سوسنها في كلّ شارقة ... على الميادين أذناب الطَّواويس

  / قال: فأعجبني وعملت على أن أباكر به الرّشيد. فلقيني في طريقي خادم لعليّة بنت المهديّ، فقال:

  مولاتي تأمرك بدخول الدّهليز لتسمع من بعض جواريها غناء أخذته عن أبيك وشكَّت فيه الآن. فدخلت معه إلى حجرة قد أفردت لي كأنها كانت معدّة فجلست، وقدّم لي طعام وشراب فنلت حاجتي منهما، ثم خرج إليّ خادم فقال لي: تقول لك مولاتي: أنا أعلم أنك قد غدوت إلى أمير المؤمنين بصوت قد أعددته له محدث، فأسمعنيه ولك جائزة سنيّة تتعجّلها، ثم ما يأمر به لك بين يديك، ولعله لا يأمر لك بشيء أو لا يقع الصوت منه بحيث توخّيت، فيذهب سعيك باطلا. فاندفعت فغنّيتها إيّاه، ولم تزل تستعيده مرارا، ثم أخرجت إليّ عشرين ألف درهم وعشرين ثوبا، وقالت: هذه جائزتك، ولم تزل تستعيده مرارا. ثم / قالت: اسمعه منّي الآن؛ فغنّته غناء ما خرق سمعي مثله. ثم قالت: كيف تراه؟ قلت: أرى واللَّه ما لم أر مثله. قالت: يا فلانة أعيدي له مثل ما أخذ؛ فأحضرت لي عشرين ألفا أخرى وعشرين ثوبا. فقالت: هذا ثمنه، وأنا الآن داخلة إلى أمير المؤمنين، أبدأ أتغنّى⁣(⁣١) به، وأخبر أنّه من صنعتي. وأعطي اللَّه عهدا لئن نطقت أنّ لك فيه صنعة لأقتلنّك! هذا إن نجوت منه إن علم بمصيرك إليّ. فخرجت من عندها وو اللَّه إنّي لكالموقن⁣(⁣٢) بما أكره من جائزتها أسفا على الصوت، فما جسرت واللَّه بعد ذلك أن أتنغّم به في نفسي فضلا عن أن أظهره حتى ماتت. فدخلت على المأمون في أوّل مجلس جلسه للَّهو بعدها، فبدأت به أوّل ما غنّيت. فتغيّر لون المأمون وقال: من أين لك ويلك هذا؟! قلت:

  ولي الأمان على الصدق؟ قال: ذلك لك. فحدّثته الحديث. فقال: يا بغيض! فما كان في هذا من النفاسة حتى شهرته وذكرت هذا منه مع ما قد أخذته من العوض! وهجّنني فيه هجنة وددت معها أنّي لم أذكره. فآليت ألَّا أغنّيه / بعدها أبدا. الشعر في هذا الصوت لإسماعيل بن يسار النّسائي، وقيل: إنه لإسحاق. ولحنه من الثقيل الأوّل مطلق في مجرى الوسطى. وذكر حبش أنه للهذليّ، ولم يحصّل ما قاله.

  طارحت أخاها إبراهيم الغناء وسمعها من في مجلس المأمون:

  أخبرني عمّي قال حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال قال لي ينشو المغنّي حدّثني أبو أحمد بن الرشيد قال:

  كنت يوما عند المأمون وإلى جانبي منصور وإبراهيم عمّاي، فجاء ياسر دخلة فسارّ المأمون. فقال المأمون لإبراهيم: إن شئت يا إبراهيم فانهض، فنهض. فنظرت إلى ستر قد رفع مما يلي دار الحرم، فما كان بأسرع من أن سمعت شيئا أقلقني. فنظر إليّ المأمون وأنا أميل فقال لي: يا أبا أحمد مالك تميل؟ فقلت: إني سمعت شيئا ما سمعت بمثله. فقال: هذه عمّتك عليّة تطارح عمّك إبراهيم:

  مالي أرى الأبصار بي جافيه


(١) في ب، س: «ولن أبدأ بغناء غيره».

(٢) في أ، م: «وو اللَّه إني لأكاد أموت بما أكره إلخ».