أخبار علي بن الجهم ونسبه
  وما رغثاؤك(١) الجهم بن بدر ... من الأقمار ثمّ ولا البدور
  ولو أعطاك ربّك ما تمنّى ... لزاد الخلق في عظم الأيور(٢)
  علام هجوت مجتهدا عليّا ... بما لفّقت من كذب وزور
  أما لك في استك الوجعاء شغل ... يكفّك عن أذى أهل القبور
  وسمعه أبو العيناء يوما يطعن على عليّ بن أبي طالب ¥، فقال له: أنا أدري لم تطعن على عليّ أمير المؤمنين. فقال له: أتعني قصّة بيعه أهلي من مصقلة بن هبيرة؟ قال: لا! أنت أوضع من ذلك، ولكن لأنه قتل الفاعل فعل قوم لوط والمفعول به، وأنت أسفلهما.
  هجا بختيشوع فسبه عند المتوكل فحبسه سنة ثم نفاه وقال في ذلك شعرا:
  أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن سعد الهشاميّ قال:
  كان عليّ بن الجهم قد هجا بختيشوع(٣)، فسبّه عند المتوكَّل فحبسه المتوكَّل. فقال عليّ بن الجهم في حبسه عدّة قصائد كتب بها إلى المتوكل فأطلقه بعد سنة، ثم نفاه بعد ذلك إلى خراسان. فقال أوّل ما حبس قصيدة كتب بها إلى أخيه، أوّلها قوله:
  توكَّلنا على ربّ السماء ... وسلَّمنا لأسباب القضاء
  ووطَّنّا على غير اللَّيالي ... نفوسا سامحت بعد الإباء
  وأفنية الملوك محجّبات ... وباب اللَّه مبذول الفناء
  / هي الأيّام تكلمنا وتأسو ... وتأتي بالسعادة والشقاء
  وما يجدي الثّراء على غنيّ ... إذا ما كان محظور العطاء
  حلبنا الدّهر أشطره ومرّت ... بنا عقب(٤) الشّدائد والرّخاء
  وجرّبنا وجرّب أوّلونا ... فلا شيء أعزّ من الوفاء
  ولم ندع الحياء لمسّ ضرّ ... وبعض الضرّ يذهب بالحياء
  ولم نحزن على دنيا تولَّت ... ولم نسبق إلى حسن العزاء
  توقّ النّاس يا بن أبي وأمّي ... فهم تبع المخافة والرّجاء
  ولا يغررك من وغد إخاء ... لأمر ما غدا حسن الإخاء
  ألم تر مظهرين عليّ عيبا(٥) ... وهم بالأمس إخوان الصّفاء
(١) الرغثاء: أصلها عصب أو عرق في الثدي يدر اللبن. واستعملها البحتري هنا في الأب.
(٢) في «ديوان البحتري» طبع مطبعة الجوائب:
ولو أعطاك ربك ما تمنى ... عليه لزاد في غلظ الأيور
(٣) هو بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع الأكبر المتطبب. (انظر الطبري ق ٣ ص ٦٦٧، ١٤٣٧، ١٤٤٧، ١٧٩٠).
(٤) العقب: جمع عقبة وهي النوبة.
(٥) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «عتبا» وهو تصحيف.