أخبار علي بن الجهم ونسبه
  فأعجبني الذي قد قال جدّا ... وقلت بلى إذا رضي الحبيب
  فقال هو الشفاء فلا تقصّر ... فقلت أجل ولكن لا يجيب
  ألا هل مسعد يبكي لشجوي ... فإنّي هائم فرد غريب
  فقال: أحسنت وحياتي! يا غلام اسقني قدحا؛ فجاءه بقدح فشرب وسقيت الجماعة مثله. وخرجت إليه فضل الشاعرة بأبيات أمرتها قبيحة أن تقولها عنها. فقرأها فإذا هي:
  /
  أكتمنّ الذي في القلب من حرق ... حتى أموت ولم يعلم به الناس
  ولا يقال شكا من كان يعشقه ... إنّ الشّكاة لمن تهوى هي الياس
  ولا أبوح بشيء كنت أكتمه ... عند الجلوس إذا ما دارت الكاس
  فقال المتوكَّل: أحسنت يا فضل. وأمر لها ولي بعشرين ألف درهم، ودخل إلى قبيحة فترضّاها.
  خرج مع جماعة إلى الشام فقطع عليهم الأعراب الطريق ففرّ أصحابه وثبت هو وقال شعرا:
  أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن سعد قال:
  خرج عليّ بن الجهم إلى الشام في قافلة، فخرجت عليهم الأعراب في خساف(١) فهرب من كان في القافلة من المقاتلة، وثبت عليّ بن الجهم فقاتلهم قتالا شديدا، وثاب الناس إليه فدفعهم ولم يحظوا بشيء. فقال في ذلك:
  /
  صبرت ومثلي صبره ليس ينكر ... وليس على ترك التّقحّم يعذر
  غريزة حرّ لا اختلاق تكلَّف ... إذا خام(٢) في يوم الوغى المتصبّر
  ولمّا رأيت الموت تهفو بنوده ... وبانت علامات له ليس تنكر
  وأقبلت الأعراب من كلّ جانب ... وثار عجاج أسود اللَّون أكدر
  بكلّ مشيح(٣) مستميت مشمّر ... يجول به طرف(٤) أقبّ مشمّر
  بأرض خساف حين لم يك دافع ... ولا مانع إلَّا الصّفيح(٥) المذكَّر
  فقلَّل في عينيّ عظم جموعهم ... عزيمة قلب فيه ما جلّ يصغر
  بمعترك فيه المنايا جواسر ... ونار الوغى بالمشرفيّة تسعر
  فما صنت وجهي عن ظبات سيوفهم ... ولا انحزت عنهم والقنا تتكسّر
  ولم أك في حرّ الكريهة محجما ... إذا لم يكن في الحرب للورد مصدر
(١) في الأصول «حساف» بالحاء المهلمة وهو تصحيف. وخساف: برية بين بالس وحلب. («معجم البلدان» لياقوت).
(٢) خام: نكص وجبن.
(٣) المشيح: المجد.
(٤) الطرف: الكريم من الخيل. والأقب: الدقيق الخصر الضامر البطن.
(٥) الصفيح هنا: السيف العريض.