أخبار علي بن الجهم ونسبه
  إذا ساعد الطَّرف الفتى وجنانه ... وأسمر خطَّيّ وأبيض مبتر(١)
  فذاك، وإن كان الكريم بنفسه، ... إذا اصطكَّت الأبطال في النّقع عسكر
  منعتهم من أن ينالوا قلامة ... وكنت شجاهم والأسنّة تقطر
  وتلك سجايانا قديما وحادث ... بها عرف الماضي وعزّ المؤخّر
  أبت لي قروم أنجبتني أن أرى ... وإن جلّ خطب خاشعا أتضجّر
  أولئك آل اللَّه فهر بن مالك ... بهم يجبر العظم الكسير ويكسر
  هم المنكب العالي على كلّ منكب ... سيوفهم تفني وتغني وتفقر
  قال إن أباه حبسه في الكتاب وهو صبيّ فكتب إلى أمّه شعرا فكذبه إبراهيم بن المدبر:
  أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق والحسن بن عليّ قالا جميعا حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عيسى بن أبي حرب قال حدّثني عليّ بن الجهم قال:
  حبسني أبي في الكتّاب، فكتبت إلى أمي:
  يا أمّتا أفديك من أمّ ... أشكو إليك فظاظة الجهم
  قد سرّح الصّبيان كلَّهم ... وبقيت محصورا بلا جرم
  قال: وهو أوّل شعر قلته وبعثت به إلى أمّي؛ فأرسلت إلى أبي: واللَّه لئن لم تطلقه لأخرجنّ حاسرة حتى أطلقه. قال عيسى فحدّثت بهذا الخبر إبراهيم بن المدبّر فقال: عليّ بن الجهم / كذّاب، وما يمنعه من أن يكون ولَّد هذا الحديث وقال هذا الشعر وله ستون سنة، ثم حدّثكم أنه قاله وهو صغير، ليرفع من شأن نفسه!.
  مدح أحمد بن أبي دواد وكان منحرفا عنه ليشفع له في حبسه فقعد عنه فهجاه وشمت به بعد أن نفاه المتوكل:
  أخبرني عمّي قال حدّثنا محمد بن سعد قال:
  كان أحمد بن أبي دواد منحرفا عن عليّ بن الجهم لاعتقاده مذهب الحشويّة(٢). فلما حبس عليّ بن الجهم مدح أحمد بن أبي دواد عدّة مدائح، وسأله أن يقوم بأمره ويشفع فيه، فلم يفعل وقعد عنه. فمنها قوله:
  يا أحمد بن أبي دواد إنّما ... تدعى لكلّ عظيمة يا أحمد
  أبلغ أمير المؤمنين ودونه ... خوض الرّدى ومخاوف لا تنفد
  أنتم بنو عمّ النبيّ محمد ... أولى بما شرع النبيّ محمّد
  وهذه الأبيات من قصيدته التي أوّلها:
  قالت حبست فقلت ليس بضائري
(١) المعروف في «كتب اللغة» أن يقال سيف باتر وبتار (بتشديد التاء) وبتار (وزان غراب) وبتور. ولكن عليّ بن الجهم استعمل هنا هذه الصيغة، فرجحنا هذا الضبط؛ إذ المستعمل في القطع من هذه المادة إنما هو «بتر» الثلاثي، واسم الآلة منه مبتر.
(٢) الحشوية: طائفة يقولون: حكم الأحاديث كلها واحد، وعندهم أن تارك النفل كتارك الفرض. وهم فرقة من المرجئة. (انظر «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي ج ٤ ص ١٦٢ طبع دار الكتب المصرية).