أخبار أبي دلامة ونسبه
  وسجدت حتى جبهتي مشجوجة ... ممّا يناطحني الحصا في المسجد
  فامنن بتسريحي بمطلك بالذي ... أسلفتنيه من البلاء المرصد
  فلمّا قرأ المهديّ رقعته غضب وقال: يا عاضّ كذا من أمّه أيّ قرابة بيني وبينك؟! قال: رحم آدم وحوّاء، أنسيتهما يا أمير المؤمنين! فضحك وقال: لا واللَّه ما نسيتهما؛ وأمر بتعجيل ما أجازه به وزاد فيه. وأخبرني بهذا الخبر الحسن بن عليّ قال حدّثنا الخزاعيّ عن المدائنيّ وزاد فيه قال: وأنشده أيضا في ذمّ الصّوم:
  هل في البلاد لرزق اللَّه مفترش ... أم لا ففي جلده من خشنة برش
  - يعني أنّ جلد الرّزق خشن الملمس(١) فهو يحترش(٢) كما يحترش الضّبّ - الشّعر:
  أضحى الصّيام منيخا وسط عرصتنا ... ليت الصيام بأرض دونها حرش(٣)
  إن صمت أوجعني بطني وأقلقني ... بين الجوانح مسّ الجوع والعطش
  / وإن خرجت بليل نحو مسجدهم ... أضرّني بصر قد خانه العمش
  عزى أم سلمة بنت يعقوب في السفاح فأضحكها:
  أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ عن أحمد بن زهير عن الزّبير عن عمّه، ونسخت من كتاب ابن النطَّاح قال اليزيديّ في خبره:
  / دخل أبو دلامة على ريطة بعد وفاة المهديّ، وقال ابن النطَّاح: دخل على أمّ سلمة(٤) بنت يعقوب بن سلمة بعد وفاة أبي العبّاس، وهو الصحيح، فعزّاها به وبكى وبكت معه، ثم أنشدها:
  من مجمل في الصبر عنك فلم يكن ... صبري عليك غداة بنت جميلا
  يجدون أبدالا به وأنا امرؤ ... لو متّ وجدا ما وجدت بديلا
  إنّي سألت الناس بعدك كلَّهم ... فوجدت أجود من سألت بخيلا
  فقالت أمّ سلمة: لم أر أحدا أصيب به غيري وغيرك يا أبا دلامة. فقال: ولا سواء يرحمك اللَّه، لك منه ولد وما ولدت أنا منه. فضحكت - ولم تكن منذ مات أبو العبّاس ضحكت إلا ذلك الوقت - وقالت له: لو حدّثت الشيطان لأضحكته.
  خدع المهدي بموت زوجته وخدعت زوجته الخيزران بموته كذلك فضحكا منهما:
  أخبرنا محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا الغلابيّ قال حدّثنا عبد اللَّه بن الضحّاك قال:
  دخل أبو دلامة على المهديّ وهو يبكي. فقال له: مالك؟ قال: ماتت أمّ دلامة، وأنشده لنفسه فيها:
(١) في الأصول: «الملبس» بالباء.
(٢) احترش الضب وحرشه: صاده، وهو أن يحرك يده على حجرة لظنه حية فيخرج ذنبه ليضر بها فيأخذه. ومنه المثل: «أتعلمني بضب أنا حرشته» يخاطب به العالم بالشيء من يريد تعليمه.
(٣) الحرش (بالتحريك) لغة: الخشونة. يتمنى لو كان بينه وبين الصوم من غلظ الأرض وخزونها ما يحول دونه.
(٤) أم سلمة: هي أم سلمة المخزومية امرأة الخليفة أبي العباس السفاح، وتزوجها بعده عبد اللَّه بن عبد الحميد المخزومي. (انظر «الأغاني» ج ٤ ص ٣٣٥ من هذه الطبعة).