أخبار أبي دلامة ونسبه
  وكنّا كزوج من قطا مفازة ... لدى خفض عيش ناعم مؤنق رغد
  فأفردني ريب الزّمان بصرفه ... ولم أرشيأ قطَّ أوحش من فرد
  فأمر له بثياب وطيب ودنانير، وخرج. فدخلت أمّ دلامة على الخيزران فأعلمتها أنّ أبا دلامة قد مات، فأعطتها مثل ذلك، وخرجت. فلمّا التقى المهديّ والخيزران عرفا حيلتهما فجعلا يضحكان لذلك ويعجبان منه.
  فرض له المنصور على كل هاشمي عطاء فنقصه العباس بن محمد دينارين فذمه:
  أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة، ونسخت أنا من كتاب ابن النطَّاح قال:
  دخل أبو دلامة على المنصور فأنشده:
  أما وربّ العاديات ضبحا(١) ... حقّا وربّ الموريات قدحا
  إنّ المغيرات عليّ صبحا ... والناكئات(٢) من فؤادي قرحا(٣)
  عشر ليال بينهن ضبحا(٤) ... يجلفن(٥) مالي كلّ عام صبحا
  فقال له أبو جعفر: وكم تذبح يا أبا دلامة؟ قال: أربعا وعشرين شاة. ففرض له على كل هاشميّ أربعة وعشرين دينارا، فكان يأخذها منهم. فأتى العباس بن محمد في عشر الأضحى يتنجّزها. فقال: يا أبا دلامة، أليس قد مات ابنك؟ قال بلى. قال: انقصوه دينارين. قال: أصلح اللَّه الأمير لا تفعل، فإنه ترك عليّ ولدين.
  فأبى إلَّا أن ينقصه. فخرج وهو يقول:
  أخطاك ما كنت ترجوه وتأمله ... فاغسل يديك من العبّاس بالياس
  واغسل يديك بأشنان(٦) فأنقهما ... مما تؤمّل من معروف عبّاس
  جزاك ربّك يا عبّاس عن فرج ... جنّات عدن وعنّي جرزتي(٧) آس
  / فبلغ ذلك أبا جعفر فضحك، واغتاظ على العبّاس، وأمره بأن يبعث إليه بأربعة وعشرين دينارا أخرى.
  هذه رواية يزيد.
  قيل إن هذه القصة مع علي بن صالح:
  وأمّا ابن النطَّاح فإنه ذكر أن الذي نقصه / الدينارين عليّ بن صالح وقال له: إنما نقصتك دينارين لموت ابنك دلامة. فحلف ألَّا يأخذ إلَّا خمسين دينارا، ثم قام مغضبا؛ فأتبعه الرسول فأعطاه إيّاها. فقال له:
(١) الضبح: صوت أنفاس الخيل إذا عدت ليس بصهيل ولا حمحمة.
(٢) نكأ القرح: قشره قبل أن يبرأ فيندي. وقد وردت هذه الكلمة في الأصول محرفة؛ ففي ح: «الناكثات». وفي أ، م: «الناكنات».
وفي ب، س: «الفاتكات».
(٣) في الأصول: «قدحا» بالدال، وهو تحريف.
(٤) في أ، م: «صبحا» بالصاد المهملة. وهي في كلتا صورتيها غير واضحة.
(٥) يجلفن: يستأصلن. وفي ب، س: «يتلفن». وفي سائر الأصول. «يحلفن» بالحاء المهملة. وهو مصحف عما أثبتناه، كما يحتمل أن يكون مصحفا عن «يحلقن» بالقاف بمعنى يستأصلن أيضا.
(٦) الأشنان (بالضم): حمض تغسل به الأيدي.
(٧) الجرزة: الحزمة.