أخبار أبي دلامة ونسبه
  خرج المهديّ وعليّ بن سليمان إلى الصّيد، فسنح لهما قطيع من ظباء، فأرسلت الكلاب وأجريت الخيل، فرمى المهديّ ظبيا بسهم فصرعه، ورمى عليّ بن سليمان فأصاب بعض الكلاب فقتله. فقال أبو دلامة:
  قد رمى المهديّ ظبيا ... شكّ بالسهم فؤاده
  وعليّ بن سليما ... ن رمى كلبا فصاده
  فهنيئا لهما كلّ ... امرئ يأكل زاده
  / فضحك المهديّ حتى كاد أن يسقط عن سرجه، وقال: صدق واللَّه أبو دلامة، وأمر له بجائزة / سنيّة.
  أخبرني بهذا الخبر عمّي عن الكرانيّ عن العمريّ عن الهيثم بن عديّ فذكر مثل ما ذكره وقال فيه: فلقّب عليّ بن سليمان «صائد الكلب» وعلق به.
  أنشد المنصور شعرا فأعطاه دارا وكسوة ثم احتاج إلى الدار وعوّضه بدلها:
  قال ابن النطَّاح: وأنشد أبو دلامة المنصور يوما:
  هاتيك والدتي عجوز همّة(١) ... مثل البليّة درعها في المشجب(٢)
  مهزولة اللَّحيين(٣) من يرها يقل ... أبصرت غولا أو خيال القطرب(٤)
  ما إن تركت لها ولا لآبن لها ... مالا يؤمّل غير بكر أجرب
  ودجائجا(٥) خمسا يرحن إليهم ... لمّا يبضن وغير عير(٦) مغرب
  كتبوا إليّ صحيفة مطبوعة(٧) ... جعلوا عليها طينة كالعقرب
  فعلمت أنّ الشّرّ عند فكاكها ... ففككتها عن مثل ريح الجورب
  وإذا شبيه بالأفاعي رقّشت ... يوعدنني بتلمّظ وتثؤّب(٨)
  يشكون أنّ الجوع أهلك بعضهم ... لزبا(٩) فهل لك في عيال لزّب
  لا يسألونك غير طلّ سحابة ... تغشاهم من سيلك المتحلَّب
  يا باذل الخيرات يا بن بذولها ... وابن الكرام وكلّ قرم منجب
  أنتم بنو العبّاس يعلم أنّكم ... قدما فوارس كلّ يوم أشهب
(١) الهمة: العجوز الفانية.
(٢) المشجب (ومثله الشجاب): خشبات موثقة منصوبة توضع عليها الثياب وتنشر. يريد أن أمه فنيت حتى أشهت خشبات المشجب.
(٣) اللحى: عظم الحنك وهو الذي عليه الأسنان.
(٤) القطرب هنا: ذكر الغيلان أو الصغير من الجن.
(٥) يجوز في تابع المستثنى بغير مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى. وقد روعي هنا المعنى.
(٦) العير (بالفتح): الحمار. والمغرب: الذي اشتد بياضه حتى نبيضّ محاجره وأرفاغه.
(٧) مطبوعة: مختومة.
(٨) في الأصول «وتثاؤب» ويقال لغة تثاءب وتثأب التضعيف. وقد آثرنا الثانية لأنه على رواية الأصول تكون في القافية ألف الأساس، وإذا كانت لزمت في القصيدة كلها.
(٩) اللزب (بالتحريك): ضيق العيش.