أخبار أبي دلامة ونسبه
  أبلغي سيّدتي باللَّه يا أمّ عبيده أنها أرشدها اللَّه وإن كانت رشيده
  وعدتني قبل أن تخ ... رج للحجّ وليده
  فتأنّيت وأرسل ... ت بعشرين قصيدة
  / كلمّا أخلقن(١) أخلف ... ت لها أخرى جديده
  ليس في بيتي لتمهي ... د فراشي من قعيده
  غير عجفاء عجوز ... ساقها مثل القديده
  وجهها أقبح من حو ... ت طريّ في عصيده
  / ما حياة مع أنثى ... مثل عرسي بسعيده
  فلمّا قرئت عليها الأبيات ضحكت واستعادتها منه لقوله «حوت طريّ في عصيده» وجعلت تضحك، ودعت بجارية من جورايها فائقة فقالت لها: خذي كل ما لك في قصري ففعلت، ثم دعت ببعض الخدم وقالت له:
  سلَّمها إلى أبي دلامة. فانطلق الخادم بها فلم يصادفه في منزله. فقال لامرأته: إذا رجع فادفعيها إليه، وقولي له: تقول لك السّيدة: أحسن صحبة هذه الجارية فقد آثرتك بها؛ فقالت له نعم. فلمّا خرج دخل ابنها دلامة فوجد أمّه تبكي. فسألها عن خبرها فأخبرته وقالت: إن أردت أن تبرّني يوما من الدهر فاليوم. فقال: قولي ما شئت فإني أفعله. قالت: تدخل عليها فتعلمها أنّك مالكها وتطؤها فتحرم عليه، وإلَّا ذهبت بعقله وجفاني وجفاك. ففعل ودخل إلى الجارية فوطئها ووافقها ذلك منه، وخرج. ثم دخل أبو دلامة فقال لامرأته: أين الجارية؟ قالت: في ذلك البيت. فدخل إليها شيخ محطَّم ذاهب، فمدّ يده إليها وذهب ليقبّلها. فقالت له: مالك ويلك! تنحّ وإلَّا لطمتك لطمة دققت منها أنفك. فقال لها: أبهذا أوصتك السيّدة!. فقالت: إنّها قد بعثت بي إلى فتى من حاله وهيئته كيت وكيت، وقد كان عندي آنفا، ونال منّي حاجته. فعلم أنه قد دهي من أمّ دلامة وابنها.
  فخرج إليه أبو دلامة فلطمه ولبّبه(٢) وحلف / ألَّا يفارقه إلَّا عند المهديّ. فمضى به ملبّبا حتى وقف على باب المهديّ. فعرّف خبره وأنه قد جاء بابنه على تلك الحالة فأمر بإدخاله. فلمّا دخل قال له: مالك ويلك؟! قال:
  عمل بي هذا ابن الخبيثة ما لم يعمل ولد بأبيه، ولا ترضيني إلَّا أن تقتله. فقال له: ويلك فما فعل؟ فأخبره الخبر. فضحك حتى استلقى ثم جلس. فقال له أبو دلامة: أعجبك فعله فتضحك منه؟ فقال: عليّ بالسيف والنّطع. فقال له دلامة: قد سمعت حجّته يا أمير المؤمنين فاسمع حجّتي. قال: هات. قال: هذا الشيخ أصفق الناس وجها، بنيك أمّي منذ أربعين سنة ما غضبت، ونكت جاريته مرّة واحدة فغضب وصنع بي ما ترى! فضحك المهديّ أكثر من ضحكه الأوّل، ثم قال: دعها له يا أبا دلامة وأنا أعطيك خيرا منها. قال: على أن تخبأها لي بين السماء والأرض، وإلَّا ناكها واللَّه كما ناك هذه. فتقدّم إلى دلامة ألَّا يعاود بمثل فعله، وحلف أنه إن عاود قتله، ووهب له جارية أخرى كما وعده.
(١) كذا في أ. وفي سائر الأصول: «أخلفن» بالفاء الموحدة.
(٢) لببه: أخذ بتلبيبه أن جمع ثيابه عند صدره ونحره في الخصومة ثم جرّه.