أخبار أبي دلامة ونسبه
  فقال لصاحب دوابّه: خيّره من الإصطبل مركبين(١). قال: يا أمير المؤمنين إن كان الاختيار لي وقعت في شرّ من البغلة، ولكن مره أن يختار لي، فقال: اختر له. وأخبرني به عمّي عن الكرانيّ عن العمريّ عن الهيثم بن عديّ، وخبره أتمّ.
  احتال على العباس بن محمد بشعر وأخذ منه ألفي درهم وكان راهن المهدي على ذلك فأخذ منه ستة آلاف:
  وأخبرني محمد بن خلف عن أحمد بن الهيثم عن العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال:
  دخل أبو دلامة يوما على المهديّ، فحادثه ساعة وهو يضحك وقال له: هل بقي أحد من أهلي لم يصلك؟
  قال: إن أمّنتني أخبرتك، وإن أعفيتني فهو أحبّ إليّ. قال: بل تخبرني وأنت آمن. قال كلَّهم قد وصلني إلَّا حاتم بني العبّاس. قال: / ومن هو؟ قال: عمّك العبّاس بن محمد. فالتفت إلى خادم على رأسه وقال: جأ(٢) عنق العاضّ بظر أمّه. فلمّا دنا منه صاح به أبو دلامة: تنحّ يا عبد السّوء لا تخنث مولاك وتنكث عهده وأمانه.
  فضحك المهديّ وأمر الخادم فتنحّى عنه، ثم قال لأبي دلامة: ويلك! واللَّه عمّي أبخل الناس. فقال أبو دلامة:
  بل هو أسخى الناس. فقال له المهديّ: واللَّه لو متّ ما أعطاك شيئا. قال: فإن أنا أتيته فأجازني؟ قال: لك بكل درهم تأخذه منه ثلاثة دراهم. فانصرف أبو دلامة فحبّر للعبّاس قصيدة ثم غدا بها عليه وأنشده:
  قف بالديار وأيّ الدهر لم تقف ... على المنازل بين الظَّهر(٣) والنّجف
  وما وقوفك في أطلال منزلة ... لولا الذي استدرجت من قلبك الكلف
  إن كنت أصبحت مشغوفا بساكنها ... فلا وربّك لا تشفيك من شغف
  دع ذا وقل في الذي قد فاز من مضر ... بالمكرمات وعزّ(٤) غير مقترف(٥)
  هذي رسالة شيخ من بني أسد ... يهدي السلام إلى العبّاس في الصّحف
  تخطَّها من جواري المصر كاتبة ... قد طالما ضربت في اللام والألف
  وطالما اختلفت صيفا(٦) وشاتية ... إلى معلَّمها باللَّوح والكتف
  حتّى إذا نهد الثّديان وامتلأا ... منها وخيفت على الإسراف والقرف(٧)
  صينت ثلاث سنين ما ترى أحدا ... كما يصون تجار درّة الصّدف
  / فبينما الشيخ يهوي نحو مجلسه ... مبادرا لصلاة الصّبح بالسّدف(٨)
(١) في ب، س: «بين مركبين».
(٢) جأ: اضرب.
(٣) الظهر: موضع. والنجف (بالتحريك): موضع بظهر الكوفة وهو دومة الجندل بعينها، والقرب منه قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
(٤) في ب، س: «عزم».
(٥) مقترف: مكتسب.
(٦) في ب، س: «ضيفا» بالضاد المعجمة وهو تصحيف.
(٧) القرف: التهمة.
(٨) السدف: الظلمة.