أخبار أبي دلامة ونسبه
  حانت له لمحة منها فأبصرها ... مطلَّة بين سجفيها من الغرف
  / فخرّ واللَّه ما يدري غداتئذ ... أخرّ منكشفا أم غير منكشف
  وجاءه الناس أفواجا بمائهم ... ليغسلوا الرجل المغشيّ بالنّطف(١)
  ووسوسوا بقران في مسامعه ... مخافة(٢) الجنّ والإنسان لم يخف
  شيئا ولكنّه من حبّ جارية ... أمسى وأصبح موقوفا على التّلف
  قالوا: لك الويل ما أبصرت؟ قلت لهم ... تطلَّعت من أعالي القصر ذي الشّرف
  فقلت أيّكم واللَّه يأجره ... يعين قوّته فيها على ضعف
  فقام شيخ بهيّ من رجالهم ... قد طالما خدع الأقوام بالحلف
  فابتاعها لي بألفي درهم فأتى ... بها إليّ فألقاها على كتفي
  فبتّ ألثمها طورا وألزمها ... طورا وأصنع بعض الشيء في اللَّحف
  فبين(٣) ذاك كذا إذ جاء صاحبها ... يبغي الدراهم بالميزان ذي الكفف
  وذكر حقّ على زند وصاحبه ... والحقّ في طرف والطَّين في طرف
  وبين ذاك شهود لا يضرّهم ... أكنت معترفا أم غير معترف
  فإن يكن منك شيء فهو حقّهم ... أو لا فإنّي مدفوع إلى التّلف
  قال: فضحك العبّاس وقال: ويحك أصادق أنت؟ قال: نعم واللَّه. قال: يا غلام ادفع إليه ألفي درهم ثمنها. قال: فأخذها ثم دخل على المهديّ فأخبره القصّة وما احتال له به. فأمر له المهديّ بستة آلاف درهم.
  وقال له المهديّ: كيف لا يضرّهم ذلك؟ قال: لأنّي معدم لا شيء عندي. وقال عمّي في خبره: فقال له العبّاس بن محمد شاركني في هذه الجارية. قال: أفعل ولكن على شريطة. قال: وما هي؟ قال: الشّركة لا تكون إلَّا مفاوضة(٤)، فاشتر معها أخرى، ليبعث كلّ واحد منا إلى صاحبه ما عنده / ويأخذ الأخرى مكانها ليلة وليلة. فقال له العباس: قبحك اللَّه وقبح ما جئت به! خذ الدراهم لا بارك اللَّه لك فيها وانصرف.
  أمره أبو مسلم بمبارزة رجل فقال شعرا أضحكه فأعفاه:
  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني العبسيّ قال:
  كان أبو دلامة مع أبي مسلم في بعض حروبه مع بني أميّة. فدعا رجل إلى البراز؛ فقال له أبو مسلم: أبرز إليه. فأنشأ يقول:
  ألا لا تلمني إن فررت فإنّني ... أخاف على فخّارتي أن تحطَّما
(١) النطف: جمع نطفة (بالضم) وهي الماء الصافي قل أو أكثر.
(٢) في ح، ب، س: «فخافه» وهو تحريف.
(٣) المشهور في مثل هذا أن يقال: فبينا ذاك كذا أو «بينما». وقد جاء بها أبو دلامة هنا على الأصل.
(٤) شركة المفاوضة: هي الشركة العامة في كل ما يملكه الشريكان.