كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار النابغة ونسبه

صفحة 11 - الجزء 11

  قال صالح بن حسان إنه كان مخنثا:

  وأخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الخليل بن أسد قال حدّثنا العمريّ قال:

  قال الهيثم بن عديّ قال لي صالح بن حسّان: كان واللَّه النابغة مخنّثا. قلت: وما علمك به؟ أرأيته قط؟ قال:

  لا واللَّه!. قلت: أفأخبرت عنه؟ قال لا.

  قلت: فما علمك به؟ قال: أما سمعت قوله:

  سقط النّصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته وأتّقتنا باليد

  لا واللَّه ما أحسن هذه الإشارة ولا هذا القول إلا مخنّث.

  هروبه من النعمان إلى ملوك غسان واختلاف الرواة في سببه:

  قال: فأنشدها النابغة مرّة بن سعد القريعيّ، فأنشدها مرّة النّعمان، فامتلأ غضبا فأوعد النابغة وتهدده؛ فهرب منه فأتى قومه، ثم شخص إلى ملوك غسّان بالشأم فامتدحهم. وقيل: إنّ عصام بن شهبر الجرميّ حاجب النّعمان أنذره⁣(⁣١) وعرّفه ما يريده النّعمان، وكان صديقه، فهرب. وعصام الذي يقول فيه الراجز:

  نفس عصام سوّدت عصاما ... وعلَّمته الكرّ والإقداما

  وجعلته ملكا هماما

  / وقال من رويت عنه خبر النابغة: إنّ السبب في هربه من النّعمان أنّ عبد القيس بن خفاف التّميميّ ومرّة بن⁣(⁣٢) سعد بن قريع السّعديّ عملا هجاء في النّعمان على لسانه، وأنشدا النّعمان منه أبياتا يقال فيها:

  ملك يلاعب أمّه وقطينه ... رخو المفاصل أيره كالمرود

  ومنه:

  قبّح اللَّه ثم ثنّى بلعن ... وارث الصائغ الجبان الجهولا

  من يضرّ الأدنى ويعجز عن ضرّ الأقاصي ومن يخون الخليلا /

  يجمع الجيش ذا الألوف ويغزو ... ثم لا يرزأ العدوّ فتيلا

  يعني بوارث الصائغ النّعمان؛ وكان جدّه لأمّه صائغا بفدك⁣(⁣٣) يقال له عطيّة. وأمّ النّعمان سلمى بنت عطيّة.

  فأخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثني عمي عبيد اللَّه عن ابن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل: أنّ مرّة بن سعد القريعيّ الذي وشى بالنابغة كان له سيف قاطع يقال له ذو الرّيقة من كثرة فرنده وجوهره، فذكر النابغة للنعمان، فأخذه. فاضطغن ذلك حتى وشى به إلى النّعمان وحرّضه عليه.

  وأخبرنا الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن محمد بن سلَّام عن يونس بن حبيب عن أبي عمرو بن العلاء، وأخبرنا إبراهيم بن أيّوب عن ابن قتيبة، وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبّة، قالوا جميعا:


(١) أنذره: أعلمه.

(٢) في «خزانة الأدب» (ج ١ ص ٣٧١ و ٤٢٧) و «شرح لديوانه»: «ابن ربيعة» بدل «ابن سعد».

(٣) فدك: قرية بالحجاز من نواحي خيبر.