أخبار النابغة ونسبه
  وناصب(١): متعب. وبطيء الكواكب أي قد طال حتى إن كواكبه لا تجري ولا تغور. أراح: ردّ. يقال أراح الرجل إبله أي ردّها. فيقول: ردّ هذا الليل إليّ ما عزب من همّي بالنهار؛ لأنه يتعلَّل نهارا بمحادثة النّاس والتشاغل بغير الفكر، فإذا خلا بالليل راح إليه همّه. وتقاعس تأخّر؛ وأصل التقاعس الرجوع إلى خلف القهقري، فشبّه اللَّيل في طوله بالمتقاعس. والذي يهدي النّجوم أوّلها، شبهها بهواديها(٢). وقوله «ليست بذات عقارب» أي لا يكدّرها ولا يمنّها.
  / ومما يغنّى فيه هذه القصيدة:
  حلفت يمينا غير ذي مثنويّة(٣) ... ولا علم إلَّا حسن ظنّي(٤) بصاحب
  لئن كان للقبرين قبر بجلَّق(٥) ... وقبر بصيداء الذي عن حارب
  وللحارث(٦) الجفنيّ سيّد قومه ... ليلتمسن بالجيش دار المحارب
  - غنّاه إسحاق خفيف ثقيل أوّل بالبنصر على مذهبه من رواية عمرو بن بانة عنه ومن رواية / حبش. وغنّاه ابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر. يقول: ليس لي علم بما يكون من صاحبي إلا أنّي أحسن الظنّ به. وقوله: «لئن كان للقبرين» يعني لئن كان عمرو ابنا للمدفونين في هذين القبرين، يعني قبر أبيه وجدّه وهما الحارث الأكبر والحارث الأعرج، ليلتمسنّ جيشه دار المحارب له؛ يحرّضه بذلك ويروي «أرض المحارب» -
  ولا عبيب فيهم غير أنّ سيوفهم ... بهنّ فلول(٧) من قراع الكتائب
  إذا استنزلوا(٨) عنهنّ للطعن أرقلوا ... إلى الموت إرقال الجمال المصاعب
(١) أي فناصب بمعنى منصب من النّصب (بالتحريك) وهو التعب جيء به على طرح الزوائد. وحمله سيبويه على النّسب أي ذو نصب، كما يقال، طريق خائف أي ذو خوف. وقال أبو عمرو: همّ ناصب من قولك نصب به الهم أي حل. وقال ابن الأعرابي: نصب له الهم إذا كان لا يفارقه. (راجع «خزانة الأدب البغدادي» ج ١ ص ٣٧٠، وشروح «ديوان» النابغة).
(٢) في هذه الجملة غموض، قد يرجع إلى سهو النّساخ عن بعض الكلام. ومعنى «وليس الذي يهدي النّجوم بآئب»، كما في شروح «الديوان»، أن الذي يهدي النّجوم ما يتقدّمها؛ إذ هادي كل شيء ما يتقدّمه. فقيل المراد به أوّل النّجوم، ومعنى كونه غير آئب: غير راجع إلى مسقطه ومغيبه. وقيل المراد بهادي النّجوم الشمس لأنها تتقدّم النّجوم في المغيب، ومعنى كونها غير آئبة: غير راجعة إلى مشرقها؛ فكأنه ليل لا نهار بعده. ويروى: «وليس الذي يرعى النّجوم ...».
(٣) غير ذي مثنوية: حال من فاعل حلفت أي لم أستثن فيها.
(٤) رواية «ديوان» النابغة وشروحه: «إلا حسن ظن» بتنكير الظن.
(٥) جلق (بكسر الجيم وتشديد اللام مكسورة أو مفتوحة): موضع بالشام، وقيل: هو اسم مدينة دمشق نفسها، وقيل: اسم لكورة الغوطة كلها، وقيل موضع بقرية من قرى دمشق. وصيداء: مدينة على ساحل بحر الشام شرقي صور بينهما ستة فراسخ. وحارب: موضع.
(٦) الحارث الجفني: هو الحارث بن أبي شمر الجفني الغساني.
(٧) فلول: ثلوم. والقراع: المجالدة، يقال: قارعه مقارعة وقراعا. والكتيبة: الجيش أو القطعة منه. وهذا الضرب من الاستثناء يسميه أصحاب البديع تأكيد المدح بما يشبه الذم، ومثله:
فتى كملت أخلاقه غير أنه ... جواد فما يبقى من المال باقيا
(٨) الضمير في «عنهن» للخيل في قوله:
على عارفات للطعان عوابس
وهو وارد في «الديوان» قبل هذا البيت مباشرة.