كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار النابغة ونسبه

صفحة 21 - الجزء 11

  عصافيره⁣(⁣١) أمر له بها.

  قال أبو عبيدة: قيل لأبي عمرو: أفمن مخافته امتدحه وأتاه بعد هربه منه أم لغير ذلك؟ فقال: لا لعمر اللَّه ما لمخافته فعل، إن كان لآمنا من أن يوجّه النعمان له / جيشا، وما كانت عشيرته لتسلمه لأوّل وهلة، ولكنه رغب في عطاياه وعصافيره. وكان النابغة يأكل ويشرب في آنية الفضّة والذهب من عطايا النعمان وأبيه وجدّه، لا يستعمل غير ذلك. وقيل: إنّ السبب في رجوعه إلى النّعمان بعد هربه منه أنه بلغه عليل لا يرجى، فأقلقه ذلك ولم يملك الصبر على البعد عنه مع علَّته وما خافه عليه وأشفق من حدوثه به، فصار إليه وألفاه محمولا⁣(⁣٢) على سريره ينقل ما بين الغمر وقصور الحيرة. فقال لعصام بن شهبر حاجبه - فيما أخبرنا به اليزيديّ عن عمّه عبيد اللَّه وابن حبيب عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل -:

  صوت

  ألم أقسم عليك لتخبرنّي ... أمحمول على النّعش الهمام

  فإنّي لا ألومك في دخولي ... ولكن ما وراءك يا عصام

  فإن يهلك أبو قابوس⁣(⁣٣) يهلك ... ربيع النّاس والشهر الحرام

  ونمسك⁣(⁣٤) بعده بذناب عيش ... أجبّ الظهر ليس له سنام

  غنّاه حنين ثقيلا أوّل بالبنصر عن حبش.

  قال أبو عبيدة: كانت ملوك العرب إذا مرض / أحدهم حملته الرجال على أكتافها يتعاقبونه، فيكون كذلك على أكتاب الرجال، لأنه عندهم أوطأ من الأرض.

  / وقوله:

  فإني لا ألومك في دخولي

  أي لا ألومك في ترك الإذن لي في الدخول، ولكن أخبرني بكنه أمره. وقوله:

  ربيع الناس والشهر الحرام

  يريد أنه كالربيع في الخصب لمجتديه، وكالشهر الحرام لجاره، لا يوصل إلى من أجاره كما لا يوصل في الشهر الحرام إلى أحد.


(١) العصافير: إبل نجائب كانت للملوك.

(٢) في «الأصول»: مجموما على سريره وهو تحريف.

(٣) أبو قابوس: كنية النعمان بن المنذر.

(٤) نمسك معطوف على جواب الشرط في البيت الذي قبله، فيجوز فيه الجزم بالعطف، والنصب بأن مقدرة، والرفع على الاستئناف.

ويروى: «ونأخذ بعده». وذناب كل شيء (بكسر أوّله): عقبه ومؤخره. وأجب الظهر: مقطوع السنام، كأن سنامه قد جب أي قطع من أصله، يقال: بعير أجب، وناقة جباء. يقول: ونمسك بعده بطرف عيش قليل الخير بمنزلة البعير المهزول الذي ذهب سنامه وانقطع لشدّة هزاله. والأحسن في «الظهر» الجر بالإضافة، ويجوز في مثله الرفع على قبح، والنصب على ضعف. قال ابن مالك في الكافية:

والرفع والنصب حكوا والجرا ... في قول من قال أجب الظهرا