كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار النابغة ونسبه

صفحة 27 - الجزء 11

  أصمّ أم يسمع ربّ القبّه ... يا أوهب الناس لعنس⁣(⁣١) صلبه

  ضرّابة بالمشفر الأذبّه⁣(⁣٢) ... ذات هباب⁣(⁣٣) في يديها جلبة⁣(⁣٤) ... في لاحب⁣(⁣٥) كأنّه الأطبّه

  - وفي رواية اليزيدي «في يديها خدبة⁣(⁣٦)» أي طول واضطراب. والأطبّة: جمع طباب⁣(⁣٧) وهو الشّراك يجمع فيه بين الأديمين في الخرز. وقال عمر بن شبّة في خبره: قال / فليح بن سليمان: أخذت هذا الرجز عن ابن دأب - قال فقال: أليس بأبي أمامة؟ قالوا بلى. قال: فأذنوا له. ودخل فحيّاه وشرب معه. ثم وردت النّعم السّود، ولم يكن لأحد من العرب بعير أسود يعرف مكانه ولا يفتحل أحد بعيرا أسود غير النعمان. فاستأذنه في أن ينشده كلمته على الباء، فأذن له أن ينشده قصيدته التي يقول فيها:

  فإنّك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

  ووردت عليه مائة من الإبل السّود الكلبيّة فيها رعاؤها وبيتها وكلبها، فقال: شأنّك بها يا أبا أمامة، فهي لك بما فيها. قال حسّان. فما أصابني حسد في موضع ما أصابني يومئذ، وما أدري أيّما كنت أحسد له عليه: ألما أسمع من فضل شعره، أم ما أرى من جزيل عطائه، فجمعت جراميزي⁣(⁣٨) وركبت إلى بلادي. وقد روى الواقديّ عن محمد بن صالح الخبر فذكر أن حسّان قدم على جبلة بن أبي شمر، ولعله غلط. أخبرنا به محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثني عمّي يوسف قال حدّثني عمّي إسماعيل عن الواقديّ عن محمد بن صالح قال:

  كان حسّان بن ثابت يقدم على جبلة بن الأيهم سنة ويقيم سنة في أهله. فقال: لو وفدت على الحارث، فإن له قرابة ورحما بصاحبي، وهو أبذل الناس لمعروف، وقد يئس منّي أن أقدم عليه لما يعرف من انقطاعي إلى جبلة.

  فخرجت في السنة التي كنت أقيم فيها بالمدينة حتى قدمت على الحارث وقد هيّأت مديحا. فقال لي حاجبه وكان لي ناصحا: إنّ الملك قد سرّ يقدومك / عليه، وهو لا يدعك حتى تذكر جبلة. فإيّاك أن تقع فيه فإنه يختبرك، فإنّك إن وقعت فيه زهد فيك وإن ذكرت محاسنه ثقل عليه، فلا تبتدئ بذكره، فإن سألك عنه فلا تطنب / في الثناء عليه ولا تعبه، امسح ذكره مسحا وجاوزه. وإنه سوف يدعوك إلى الطعام وهو يثقل عليه أن يؤكل طعامه أو يشرب شرابه، فلا تضع يدك في شيء حتى يدعوك إليه. فشكرت له ذلك. ثم دعاني فسألني عن البلاد والناس وعن عيشنا في الحجاز وكيف ما بيننا من الحرب، وكلّ ذلك أخبره، حتى انتهى إلى ذكر جبلة فقال: كيف تجد جبلة، فقد انقطعت إليه وتركتنا؟ فقلت له: إنما جبلة منك وأنت منه، فلم أجر معه في مدح ولا ذمّ، وفعلت في الطعام


(١) في ج، م: «لعيس». والعنس: الناقة القوية. والعيس من الإبل: التي تضرب إلى الصفرة أو هي البيض مع شقرة يسيرة، واحدها أعيس والأنثى عيساء.

(٢) الأذبة: جمع قلة الذباب.

(٣) الهباب (بالكسر): النشاط والسرعة، يقال: هب يهب (بالكسر) هبا وهبوبا وهبابا إذا نشط وأسرع. وفي «الأصول»: «ذات هيات» وهو تصحيف.

(٤) كذا في «أ». وفي «سائر الأصول»: «خلبة» بالخاء المعجمة.

(٥) اللاحب: الطريق الواضح.

(٦) في «أكثر الأصول»: «جذبة». والتصويب من «أ، م».

(٧) طباب: جمع طبابة (بكسر الطاء) ومعناها ما ذكره المؤلَّف في تفسير جمعها.

(٨) يقال: جمع فلان إليه جراميزه إذا رفع ما انتشر من ثيابه ثم مضى.