كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر مقتل خالد بن جعفر بن كلاب

صفحة 73 - الجزء 11

  الحارث قال له الكنديّ: ما أرى لك نجاة إلَّا أن ألحقك بحضرموت ببلاد اليمن فلا يوصل إليك. فسار معه يوما وليلة، فلمّا غرّبه⁣(⁣١) قال: إنّني أنقطع ببلاد اليمن فأغترب بها، وقد برئت منك خفارتي.

  لجوءه إلى بني عجل بن لجيم:

  فرجع حتّى أتى أرض بكر بن وائل، فلجأ إلى بني عجل بن لجيم، فنزل على زبّان فأجاره وضرب عليه قبّة.

  وفي ذلك يقول العجليّ:

  ونحن منعنا بالرّماح ابن ظالم ... فظلّ يغنّي آمنا في خبائنا

  / قال أبو عبيدة: فجاءته بنو ذهل بن ثعلبة وبنو عمرو بن شيبان فقالوا: أخرج هذا المشئوم من بين أظهرنا، لا يعرّنا بشرّ؛ فإنّا لا طاقة بالملحاء⁣(⁣٢) (والملحاء كتيبة الأسود) فأبت عجل أن تخفره⁣(⁣٣)، فقاتلوه فامتنعت بنو عجل. فقال الحارث بن ظالم في الكنديّ وفيهم:

  يكلَّفني الكنديّ سير تنوفة ... أكابد فيها كلّ ذي صبّة مثري

  - الصّبّة: قطعة من الغنم أو بقيّة منها -

  وأقبل دوني جمع ذهل كأنّني ... خلاة⁣(⁣٤) لذهل والزّعانف من عمرو

  ودوني ركب من لجيم مصمّم ... وزبّان جاري والخفير على بكر

  لعمري لا أخشى ظلامة ظالم ... وسعد بن عجل مجمعون على نصري

  لحوقه بطيء:

  قال أبو عبيدة: ثم قال لهم الحارث: إنّي قد اشتهر أمري فيكم ومكاني، وأنا راحل عنكم. فارتحل فلحق بطيئ. فقال الحارث في ذلك:

  لعمري لقد حلَّت بي اليوم ناقتي ... إلى ناصر من طيّئ غير خاذل

  فأصبحت جارا للمجرّة منهم ... على باذخ يعلو على المتطاول

  أخذ الأسود أموال جارات له فردها هو إليهن:

  قال أبو عبيدة وحدّثني أبو حيّة أنّ الأسود حين قتل الحارث خالدا سأل عن أمر يبلغ منه. فقال له عروة بن عتبة: إنّ له جارات من بليّ بن عمرو، ولا أراك تنال منه شيئا أغيظ له من أخذهنّ وأخذ أموالهنّ، فبعث الأسود فأخذهنّ واستاق أموالهنّ. فبلغ ذلك الحارث، فخرج من الحين فانساب في غمار الناس حتى عرف موضع جاراته ومرعى إبلهنّ، فأتى الإبل فوجد حالبين يحلبان ناقة لهنّ يقال لها اللَّفاع، وكانت لبونا كأغزر الإبل، إذا حلبت


(١) غربه: نجاه عن بلاده وأبعده.

(٢) في «بعض الأصول»: «بالملجأ» وهو تحريف.

(٣) الإخفار: الغدر ونقض العهد.

(٤) الخلاة: واحدة الخلي وهو الرطب من الحشيش. يقول: أقبل دوني هؤلاء القوم كأني خلاة يأخذها الآخذ كيف شاء، والواقع أني في عز ومنعة.