يوم شعب جبله
  اعقروه. فقال لقيط: واللَّه لا يعقر حتّى يكون فحل(١) إبلي غدا -. وكان البعير من عصافير المنذر التي أخذها قرّة بن هبيرة(٢) بن عامر بن سلمة بن قشير. والعصافير: إبل كانت للملوك نجائب - ثم استقبلهم معاوية بن عبادة بن عقيل وكان أعسر فقال:
  أنا الغلام الأعسر ... الخير فيّ والشّر
  والشرّ(٣) فيّ أكثر
  فتشاءمت بنو أسد وقالوا: ارجعوا عنهم وأطيعونا. فرجعت بنو أسد فلم تشهد جبلة مع لقيط إلا نفيرا يسيرا، منهم شأس بن أبي بليّ(٤) أبو عمرو بن شأس الشاعر، ومعقل بن عامر بن موءلة(٥) المالكيّ. وقال الناس للقيط: ما ترى؟ فقال: أرى أن تصعدوا إليهم. فقال شأس: لا تدخلوا على بني عامر؛ فإني أعلم النّاس بهم، قد قاتلتهم وقاتلوني وهزمتهم وهزموني، فما رأيت قوما قطَّ أقلق بمنزل من بني عامر! / واللَّه ما وجدت لهم مثلا إلَّا الشّجاع؛ فإنه لا يقرّ في حجره قلقا، وسيخرجون إليكم. واللَّه لئن بتّم(٦) هذه الليلة لا تشعرون بهم إلَّا وهم منحدرون عليكم. فقال لقيط. واللَّه لندخلنّ عليهم. فأتوهم وقد أخذوا حذرهم. وجعل الأحوص ابنه شريحا على تعبئة الناس. فأقبل لقيط وأصحابه مدلَّين فأسندوا(٧) إلى الجبل حتى ذرّت الشمس. فصعد لقيط في الناس وأخذ بحافتي الشّجن(٨). فقالت بنو عامر للأحوص: قد أتوك. فقال: دعوهم. حتى إذا نصفوا الجبل وانتشروا فيه، قال الأحوص: حلَّوا عقل / الإبل ثم احدروها واتّبعوا آثارهم(٩)، وليتبع كلّ رجل منكم بعيره حجرين أو ثلاثة، ففعلوا ثم صاحوا بها، فلم يفجأ الناس إلَّا الإبل تريد الماء والمرعى، وجعلوا يرمونهم بالحجارة والنّبل؛ وأقبلت الإبل تحطم كلّ شيء مرّت به، وجعل البعير يدهدي بيديه(١٠) كذا وكذا حجرا. وقد كان لقيط وأصحابه سخروا منهم حين صنعوا بالإبل ما صنعوا. فقال رجل من بني أسد:
  زعمت أنّ العير لا تقاتل ... بلى إذا تقعقع(١١) الرحائل
  واختلف الهنديّ والذّوابل ... وقالت الأبطال من ينازل ... بلى وفيها حسب ونائل
(١) في «أ، م، ج»: «فحل أبي غدا». وفي «ب، س»: «محل أبي غدا». والتصويب من «النقائض»، وفيها «نذرا» بدل كلمة «غدا».
(٢) في «الأصول»: «قرة بن زهير». والتصويب من «النقائض» و «تاريخ الطبري».
(٣) كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «والضرفيّ ...».
(٤) في «الأصول»: ... شأس بن أبي ليلى ...» والتصويب من «النقائض» شرح التبريزي ل «ديوان الحماسة» ص ١٣٩ طبع مدينة بن سنة ١٨٢٨ م).
(٥) في «الأصول»: «موالكة». والتصويب من «النقائض» وكتب اللغة.
(٦) كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «لئن نمتم ...».
(٧) أسندوا إلى الجبل: اعتمدوا عليه. فقال: سند وتساند وأسند إلى الشيء واستند إذا اعتمد عليه.
(٨) الشجن: (بالفتح): أعلى الوادي. وفي «النقائض»: «بحافتي الشعب».
(٩) في «النقائض»: «أدبارها».
(١٠) كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «بصدره».
(١١) كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «إذا ما قعقع». وتقعقع الشيء: اضطرب وتحرك. والرحائل: جمع رحالة وهي السرج من جلود لا خشب فيه يتخذ للركض الشديد.