كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

يوم شعب جبله

صفحة 103 - الجزء 11

  القتال، فنهاه أخواه عامر وطفيل أن يفعل حتى يرى مقاتلا، فعصاهما وتقدّم، فطعنه رجل⁣(⁣١) في كتفه حتى خرج السّنان من فوق ثديه فاستمسك فيه السنان، فأتى طفيلا فقال له: دونك السّنان فانزعه، فأبى أن يفعل ذلك غضبا، فأتى عامرا فلم ينزعه منه غضبا، فأتى سلمى⁣(⁣٢) بن مالك فانتزعنه منه، وألقي جريحا مع النساء حتى فرغ القوم من القتال. وقتلت بنو عامر يومئذ من تميم ثلاثين⁣(⁣٣) غلاما أغرل⁣(⁣٤). وخرج حاجب بن زرارة منهزما، وتبعه الزّهدمان زهدم وقيس ابنا حزن بن وهب بن عويمر بن رواحة العبسيان، فجعلا يطردان حاجبا ويقولان له: استأسر وقد قدرا عليه، فيقول: من أنتما؟ فيقولان: الزّهدمان، فيقول: لا أستأسر اليوم⁣(⁣٥) لموليين. فبينما هم كذلك إذ أدركهم مالك ذو الرّقيبة بن سلمة بن قشير، فقال لحاجب: استأسر. قال:

  / ومن أنت؟ قال: أنا مالك ذو الرّقيبة. فقال: أفعل، فلعمري ما أدركتني حتى كدت أن أكون عبدا. فألقى إليه رمحه؛ واعتنقه زهدم فألقاه عن فرسه. فصاح / حاجب: يا غوثاه. [وندر السيف⁣(⁣٦)]، وجعل زهدم يريغ⁣(⁣٧) قائم السيف. فنزل مالك فاقتلع زهدما عن حاجب. فمضى زهدم وأخوه حتى أتيا قيس بن زهير بن جذيمة فقالا: أخذ مالك أسيرنا من أيدينا. قال: ومن أسيركما؟ قالا: حاجب بن زرارة. فخرج قيس يتمثّل قول حنظلة بن الشّرقيّ القينيّ أبي الطَّمحان رافعا صوته يقول:

  أجدّ بني الشّرقيّ أولع أنّني ... متى أستجر جارا وإن عزّ يغدر

  إذا قلت أوفى أدركته دروكة ... فيا موزع الجيران بالغيّ أقصر

  حتى وقف على بني عامر فقال: إنّ صاحبكم أخذ أسيرنا. قالوا: من صاحبنا؟ قال: مالك ذو الرّقيبة أخذ حاجبا من الزّهدمين. فجاءهم مالك فقال: لم آخذه منهما، ولكنه استأسر لي وتركهما. فلم يبرحوا حتى حكَّموا حاجبا في ذلك وهو في بيت ذي الرّقيبة، فقالوا: من أسرك يا حاجب؟ فقال: أمّا من ردّني عن قصدي ومنعني أن أنجو ورأى منّي عورة فتركها فالزهدمان. وأمّا الذي استأسرت له فمالك؛ فحكَّموني في نفسي. قال له القوم: قد جعلنا إليك الحكم في نفسك. فقال: أمّا مالك فله ألف ناقة، وللزهدمين مائة. فكان بين قيس بن زهير وبين الزهدمين مغاضبة [بعد⁣(⁣٦) ذلك]؛ فقال قيس:

  جزاني الزهدمان جزاء سوء ... وكنت المرء يجزى بالكرامه

  وقد دافعت قد علمت معدّ ... بني قرط وعمّهم قدامه

  / ركبت بهم طريق الحقّ حتّى ... أثبتهم⁣(⁣٨) بها مائة ظلامه

  وقال جرير في ذلك:


(١) في «الأصول»: «فطعنه رجل منهم». وكلمه «منهم» ليست في «النقائض» لا معنى لها في السياق.

(٢) في «الأصول»: «سالم». والتصويب من «النقائض».

(٣) في «النقائض»: «ثمانين غلاما».

(٤) في «الأصول»: «أعزل». والتصويب من «النقائض». وأغرل: أقلف لم تقطع غزلته. يريد أنهم كانوا صغارا.

(٥) في «النقائض»: «الدهر».

(٦) زيادة عن «النقائض».

(٧) يريغ: يطلب. وفي «الأصل» يراوغ «والتصويب من» النقائض.

(٨) في «أكثر الأصول»: «أتيتهم بها» والتصويب من «ج» و «النقائض».