يوم شعب جبله
  القتال، فنهاه أخواه عامر وطفيل أن يفعل حتى يرى مقاتلا، فعصاهما وتقدّم، فطعنه رجل(١) في كتفه حتى خرج السّنان من فوق ثديه فاستمسك فيه السنان، فأتى طفيلا فقال له: دونك السّنان فانزعه، فأبى أن يفعل ذلك غضبا، فأتى عامرا فلم ينزعه منه غضبا، فأتى سلمى(٢) بن مالك فانتزعنه منه، وألقي جريحا مع النساء حتى فرغ القوم من القتال. وقتلت بنو عامر يومئذ من تميم ثلاثين(٣) غلاما أغرل(٤). وخرج حاجب بن زرارة منهزما، وتبعه الزّهدمان زهدم وقيس ابنا حزن بن وهب بن عويمر بن رواحة العبسيان، فجعلا يطردان حاجبا ويقولان له: استأسر وقد قدرا عليه، فيقول: من أنتما؟ فيقولان: الزّهدمان، فيقول: لا أستأسر اليوم(٥) لموليين. فبينما هم كذلك إذ أدركهم مالك ذو الرّقيبة بن سلمة بن قشير، فقال لحاجب: استأسر. قال:
  / ومن أنت؟ قال: أنا مالك ذو الرّقيبة. فقال: أفعل، فلعمري ما أدركتني حتى كدت أن أكون عبدا. فألقى إليه رمحه؛ واعتنقه زهدم فألقاه عن فرسه. فصاح / حاجب: يا غوثاه. [وندر السيف(٦)]، وجعل زهدم يريغ(٧) قائم السيف. فنزل مالك فاقتلع زهدما عن حاجب. فمضى زهدم وأخوه حتى أتيا قيس بن زهير بن جذيمة فقالا: أخذ مالك أسيرنا من أيدينا. قال: ومن أسيركما؟ قالا: حاجب بن زرارة. فخرج قيس يتمثّل قول حنظلة بن الشّرقيّ القينيّ أبي الطَّمحان رافعا صوته يقول:
  أجدّ بني الشّرقيّ أولع أنّني ... متى أستجر جارا وإن عزّ يغدر
  إذا قلت أوفى أدركته دروكة ... فيا موزع الجيران بالغيّ أقصر
  حتى وقف على بني عامر فقال: إنّ صاحبكم أخذ أسيرنا. قالوا: من صاحبنا؟ قال: مالك ذو الرّقيبة أخذ حاجبا من الزّهدمين. فجاءهم مالك فقال: لم آخذه منهما، ولكنه استأسر لي وتركهما. فلم يبرحوا حتى حكَّموا حاجبا في ذلك وهو في بيت ذي الرّقيبة، فقالوا: من أسرك يا حاجب؟ فقال: أمّا من ردّني عن قصدي ومنعني أن أنجو ورأى منّي عورة فتركها فالزهدمان. وأمّا الذي استأسرت له فمالك؛ فحكَّموني في نفسي. قال له القوم: قد جعلنا إليك الحكم في نفسك. فقال: أمّا مالك فله ألف ناقة، وللزهدمين مائة. فكان بين قيس بن زهير وبين الزهدمين مغاضبة [بعد(٦) ذلك]؛ فقال قيس:
  جزاني الزهدمان جزاء سوء ... وكنت المرء يجزى بالكرامه
  وقد دافعت قد علمت معدّ ... بني قرط وعمّهم قدامه
  / ركبت بهم طريق الحقّ حتّى ... أثبتهم(٨) بها مائة ظلامه
  وقال جرير في ذلك:
(١) في «الأصول»: «فطعنه رجل منهم». وكلمه «منهم» ليست في «النقائض» لا معنى لها في السياق.
(٢) في «الأصول»: «سالم». والتصويب من «النقائض».
(٣) في «النقائض»: «ثمانين غلاما».
(٤) في «الأصول»: «أعزل». والتصويب من «النقائض». وأغرل: أقلف لم تقطع غزلته. يريد أنهم كانوا صغارا.
(٥) في «النقائض»: «الدهر».
(٦) زيادة عن «النقائض».
(٧) يريغ: يطلب. وفي «الأصل» يراوغ «والتصويب من» النقائض.
(٨) في «أكثر الأصول»: «أتيتهم بها» والتصويب من «ج» و «النقائض».