شعر ليلى ونسبها وخبر توبة بن الحمير معها
  فتعاقدوا بينهم نحوا من ثلاثين فارسا ثم اتّبعوه. ونهضت امرأة من بني خثعم من بني الهرّة(١) كانت في بني عوف وكانت تؤخّذ(٢) لهم، فقالت: أروني أثره، فخرجوا بها فأروها أثره، فأخذت من ترابه فسافته فقالت: اطلبوه فإنّه [سيحبس(٣)] عليكم. فطلبوه فسبقهم، فتلاوموا [بينهم(٣)] وقالوا: ما نرى له أثرا، وما نراه إلا وقد سبقكم. قال:
  وخرج توبة حتى إذا كان بالمضجع من أرض بني كلاب جعل نذارته(٤) وحبس أصحابه. حتى إذا كان بشعب من هضبة قال لها هند(٥) من كبد المضجع جعل ابن عمّ له(٦) يقال له قابض بن عبد اللَّه ربيئة [له(٣)] على رأس الهضبة فقال: انظر فإن شخص لك شيء فأعلمنا. / فقال عبد اللَّه(٧) بن الحميّر: يا توبة إنّك حائن(٨)، أذكَّرك اللَّه، فو اللَّه ما رأيت يوما أشبه / بسمرات بني عوف يوم أدركناهم في ساعتهم التي أتيناهم فيها منه(٩)، فانج إن كان بك نجاة.
  قال: دعني، فقد جعلت ربيئة ينظر لنا. قال: ويرجع بنو عوف بن عقيل حين لم يجدوا أثر توبة فيلقون رجلا من غنيّ، فقالوا له: هل أحسست في مجيئك أثر خيل أو أثر إبل؟ قال: لا واللَّه. قالوا: كذبت وضربوه. فقال: يا قوم لا تضربوني، فإني لم أجد أثرا، ولقد رأيت زهاء كذا وكذا إبلا شخوصا في هاتيك الهضبة، وما أدري ما هو. فبعثوا رجلا منهم يقال له يزيد بن رويبة لينظر حتّى ما في الهضبة. فأشرف على القوم، فلما رآهم ألوى بثوبه لأصحابه حتّى جاؤوا، فحمل أوّلهم على القوم حتى غشي(١٠) توبة، وفزع توبة وأخوه إلى خيلهما، فقام توبة إلى فرسه فغلبته لا يقدر على أن يلجمها ولا وقفت له، فخلَّى طريقها، وغشيه(١٠) الرّجل فاعتنقه، فصرعه توبة وهو مدهوش وقد لبس الدّرع على السيف فانتزعه ثم أهوى به ليزيد بن رويبة فاتّقاه بيده فقطع منها، وجعل يزيد يناشده رحم صفيّة، وصفيّة أمّ له(١١) من بني خفاجة. وغشي القوم توبة من ورائه فضربوه فقتلوه، وعلقهم عبد اللَّه بن الحمّير يطعنهم بالرّمح حتى انكسر. قال: فلمّا فرغوا من توبة لووا على عبد اللَّه بن الحميّر فضربوا رجله فقطعوها. فلمّا وقع بالأرض أشرع سيفه وحده ثم جثا على ركبتيه وجعل يقول: هلمّوا، ولم يشعر القوم بما أصابه. وانصرف بنو عوف بن عقيل، وولَّى قابض منهزما حتى لحق بعبد العزيز بن زرارة الكلابيّ / فأخبره الخبر. قال: فركب عبد العزيز حتى أتى توبة فدفنه وضمّ أخاه. ثم ترافع القوم إلى مروان بن الحكم، فكافأ بين الدّمين(١٢) وحملت الجراحات.
(١) في «مختار الأغاني»: «من بني الهدة».
(٢) تؤخذ لهم أي تعالج لهم السحر.
(٣) زيادة عن «مختار الأغاني».
(٤) النذارة: الإنذار. وإذ صح ما في «الأصول» فلعله يريد: وضع من ينذره أمر العدوّ أي وضعه حيث يعلم أمرهم إن قدموا فيخبره بهم، فاستعمل النذارة في المنذر. وعبارة «مختار الأغاني»: ... جعل يحبس أصحابه».
(٥) كذا في «الأصول». وفي كتاب «معجم ما استعجم» في الكلام على هيدة (بالدال المهملة): ... ولم تختلف الرواية عن أبي عبيدة في كتابيه كتاب» أيام العرب «وكتاب» مقاتل الفرسان «أن الهضبة التي قتل فيها توبة اسمها بنت هند، على لفظ اسم المرأة ...».
(٦) في «الأصول»: «ابن عمة له». والتصويب من «مختار الأغاني». وفي كتاب «معجم ما استعجم» في الكلام على هيدة ذكر قول ليلى الأخيلية ترثي توبة:
تخلى عن أبي حرب فولى ... بهيدة قابض قبل القتال
ثم قال: «تعني قابض بن عبد اللَّه المسلم لابن عمه توبة ...».
(٧) في «ب، س»: «عبد اللَّه بن جسوسا بن الحمير» وهو غلط سببه أن قارئا لنسخة «ج» فسر «ربيئة» فقال «أي جاسوسا» فكان التفسير فوق «عبد اللَّه» فظن الناشر أنه أبوه.
(٨) الحائن: الهالك. وفي «ب، س»: «حائر» وهو تحريف.
(٩) عبارة «مختار الأغاني»: «من هذه الساعة من هذا اليوم».
(١٠) غشيه هنا: لحقه وأدركه.
(١١) كذا في «مختار الأغاني». وفي «الأصول»: «وصفية امرأة من بني خفاجة».
(١٢) في «ج»: «بين الدميين». ويقال في تثنية الدم دمان ودميان، وشذ دموان.