كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الأقيشر وأخباره

صفحة 174 - الجزء 11

  ولقد كان قبل إظهاره النّس ... ك قديما من أظرف الفتيان⁣(⁣١)

  شعر له في بغل أبي المضاء وكان يكتريه فيركبه إلى الحيرة:

  وأخبرني أبو الحسن الأسديّ عن العنزيّ قال قال ابن الكلبيّ حدّثني سلمة بن عبد سواع⁣(⁣٢) عن أبيه قال:

  كان الأقيشر لا يسأل أحدا أكثر من خمسة دراهم، يجعل درهمين في كراء بغل إلى الحيرة، ودرهمين للشراب، ودرهما للطعام. وكان له جار يكنى أبا المضاء له بغل يكريه، وكان يعطيه درهمين ويأخذ بغله فيركبه إلى الحيرة، حتى يأتي بيت / الخمّار فينزل عنده ويربطه بلجامه وسرجه - فيقال إنه أعطى ثمنه في الكراء - ثم يجلس فيشرب حتى يمسي، ثم يركبه وينصرف. فقال في ذلك:

  يا بغل بغل أبي المضاء تعلَّمن ... أنّي حلفت ولليمين نذور

  لتعسّفنّ⁣(⁣٣) وإن كرهت مهامها ... فيما أحبّ وكلّ ذاك يسير

  بالرغم يا ولد الحمار قطعتها ... عمدا وأنت مذلَّل مصبور

  حتى تزور مسمّعا⁣(⁣٤) في داره ... وترى المدامة بالأكفّ تدور

  لا يرفعون بما يسوءك نعرة ... وإذا سخطت فخطب ذاك صغير

  خدعته امرأة بأنها أم حنين الخمار وأخذت منه درهمين، فأخذ يهجو أم حنين حتى استرضاه حنين:

  قال: فأتى يوما من الأيّام بيت الحمّار الذي كان يأتيه فلم يصادفه فجعل ينتظره، ودخلت الدار امرأة عباديّة⁣(⁣٥)، فقال لها: ما فعل فلان؟ قالت: مضى في حاجة وأنا امرأته، فما تريد؟ قال: نبيذا. قالت بكم؟ قال:

  بدرهمين. قالت: هلمّ درهميك وانتظرني. قال لا⁣(⁣٦). قالت: فذلك إليك، ومضت وتبعها، فدخلت دارا لها بابان وخرجت من أحدهما وتركته. فلمّا طال جلوسه خرج إليه بعض أهل الدار، قالوا: وما يجلسك؟ فأخبرهم. فقالوا له: تلك امرأة محتالة يقال لها أمّ حنين من العباديّين. فعلم أنه قد خدع، فانصرف إلى خمّاره فأخبره بالقصة وقال له: أنسئني⁣(⁣٧) اليوم فاسقني ففعل. وأنشأ الأقيشر يقول:

  /

  لم يغرّر بذات خفّ سوانا ... بعد أخت العباد أمّ حنين

  وعدتنا بدرهمين نبيذا ... أو طلاء معجّلا غير دين

  ثم ألوت بالدرهمين جميعا ... يا لقومي لضيعة⁣(⁣٨) الدرهمين


(١) في «ح»: «في أظرف الفتيان». وفي «أ، م»: «في أظهر الفتيان».

(٢) كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «عبد سراع» بالراء.

(٣) عسف المفازة: (بالتشديد) مثل عسفها واعتسفها وتعسفها أي قطعها بغير قصد ولا هداية. والمهامة: جمع مهمه، وهو المفازة البعيدة والبلد القفر.

(٤) في «ج»: «سميعا». ويجب أن يكون مشدّد الياء ليستقيم الوزن، وإنما سمى العرب سميعا (وزان زبير).

(٥) عبادية: نسبة إلى العباد وهم قبائل شتى اجتمعوا على النصرانية بالحيرة.

(٦) يريد: لا أنتظر، أما الدرهما فيدل سياق الكلام على أنه أعظاهما إياها.

(٧) كذا في «ج». والإنساء والنسيء: التأخير في الدين وفي العمر. وفي «سائر الأصول»: «أنشنى اليوم فامتعني».

(٨) كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «لصعبة الدرهمين» وهو تحريف.