كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الأقيشر وأخباره

صفحة 175 - الجزء 11

  وذكر هذا الخبر عبد اللَّه بن خلف عن أبي عمرو الشّيبانيّ وزاد فيه: أنّ الخمّار كان يسمّى بحنين، وأنّ المرأة المحتالة قالت له: إنها أمّ حنين الخمّار الذي كان يعامله حتى أخذت الدرهمين ثم هربت منه، وذكر الأبيات الثلاثة التي تقدّمت، وبعدها:

  عاهدت زوجها وقد قال إنّي ... سوف أغدو لحاجتي ولديني

  فدعت كالحصان أبيض جلدا ... وافر الأير مرسل الخصيتين

  قال ما أجرذا هديت فقالت ... سوف أعطيك أجره مرّتين

  فأبدأ الآن بالسّفاح فلمّا ... سافحته أرضته بالأخريين

  تلَّها⁣(⁣١) للجبين ثمّ امتطاها ... عالم الأير أفحج⁣(⁣٢) الحالبين

  بينما ذاك منهما وهي تحوي ... ظهره بالبنان والمعصمين

  جاءها زوجها وقد شام فيها ... ذا انتصاب موثّق الأخدعين⁣(⁣٣)

  فتأسّى وقال ويل طويل ... لحنين من عار أمّ حنين

  قال: فجاء حنين الخمّار فقال له: يا هذا ما أردت بهجائي وهجاء أمّي؟!. قال: أخذت منّي درهمين ولم تعطيني شرابا. قال: واللَّه ما تعرفك أمّي ولا أخذت منك شيئا قطَّ، فانظر إلى أمّي فإن كانت هي صاحبتك غرمت لك الدرهمين. قال: لا واللَّه ما أعرف غير أمّ حنين، ما قالت لي إلَّا ذلك، ولا أهجو إلَّا أمّ حنين / وابنها، فإن كانت أمّك فإيّاها أعني. وإن كانت أمّ حنين أخرى فإيّاها أعني. فقال: إذا لا يفرّق الناس بينهما. قال: فما عليّ إذا! أترى درهميّ يضيعان! فقال له: هلمّ إذا أغرمهما لك وأقم ما تحتاج إليه، لا بارك اللَّه لك! ففعل.

  استكتبه العريان بن الهيثم من ملحه ثم أرسل له خمسين درهما فاستقلها وهجاه، ثم استرضاه أبوه الهيثم:

  قال عبد اللَّه وحدّثني أبو عمرو قال:

  كان العريان بن الهيثم النّخعيّ صديقا للأقيشر، فقال له: يا أقيشر إنّي أريد أن أمتدّ إلى الشأم فأكتبني⁣(⁣٤) من ملحك فأكتبه. فخرج إلى الشأم فأصاب مالا، فبعث إلى الأقيشر بخمسين درهما، ففعل⁣(⁣٥) وقال: هات. قال المولى: على أن تهجوه إذ وضع منك؟ قال نعم، فأعطاه خمسين درهما. وقال الأقيشر:

  وسألتني يوم الرّحيل قصائدا ... فملأتهنّ قصائدا وكتابا

  إنّي صدقتك إذ وجدتك صادقا⁣(⁣٦) ... وكذبتني فوجدتني كذّابا

  وفتحت بابا للخيانة عامدا ... لمّا فتحت من الخيانة بابا


(١) تلها للجبين: صرعها. يريد أنه قلبها وألقاها على وجهها.

(٢) أفحج الحالبين: متباعد ما بينهما.

(٣) الأخدعان: عرقان في جانبي العنق.

(٤) الإكتاب هنا: الإملاء. وفي «ب، س»: «فاكتب لي» وهو تحريف.

(٥) كذا في «الأصول». والكلام هنا غير واضح؛ وأحسب أنه وقع بين الأقيشر والمولى رسول العريان حوار سقط من النساخ.

(٦) في «الأصول»: «كاذبا» وهو تحريف.